لم تتوقع الإدارات الأميركية المتعاقبة أن تشهد تمرداً من بعض دول العالم، مثل روسيا والصين، التي بدأت في التخطيط للتحرر من هيمنة الدولار. وقد تجسد ذلك فعلياً خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد اندلاع الحرب الأطلسية الروسية على الأراضي الأوكرانية.
الأمر لا يقتصر فقط على الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية، بل يمتد ليشمل بعض الدول الحليفة أو الصديقة لأميركا. فها هو وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي يعلن أن الحكومة السعودية منفتحة على تطبيق أدوات اقتصادية جديدة، بما في ذلك استخدام (البترويوان) في التسويات المتبادلة.
ورغم تأكيد الوزير السعودي على أن المملكة ستظل منفتحة على الأفكار الجديدة وستعمل على عدم الخلط بين السياسة والتجارة، فإن الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية بسبب سياساتها المعارضة للسياسات الأميركية، قد قررت تبني آليات دفع جديدة والتعامل التجاري بعملاتها الوطنية للتحرر من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
صحيح أن الوزير السعودي لم يحدد تاريخاً لبدء استخدام عملة "البترويوان"، إلا أن المملكة بدأت فعلياً بدفع ثمن مبادلاتها التجارية باليوان الصيني. وهذا بحد ذاته مؤشر مهم، لأن السعودية تُعدّ ثاني أكبر مُورّد للنفط إلى الصين بما لا يقل عن 86 مليون طن سنوياً، مما سيعزز من مكانة "البترويوان" في حال سريان تطبيقه بين البلدين، أي بقبول السعودية اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين.
تجدر الإشارة إلى أن قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة وصلت إلى 16.8 مليار دولار في عام 2023، مقابل استثمارات سعودية في الصين بقيمة 1.5 مليار دولار. ومن المتوقع أن تزداد قيمة الاستثمارات بين البلدين في الأعوام التالية بعد توقيعهما لعدة اتفاقيات اقتصادية.
لا يبدو أن الصين مستعجلة للتحرر من استحواذ الدولار الأميركي على سوق الطاقة، وخاصة أسواق النفط، فهي تسير ببطء لتحقيق هدفها، وقد حققت نجاحاً ملحوظاً في هذا المسار، حيث صار اليوان عملة ثانية تفرضها بكين على الأسواق، ومنها الدول الخليجية التي باتت تبدي تعاوناً أكبر مع بكين.
ويرى المحلل المالي ريتش تورين في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أن مساعي الابتعاد عن الدولار لا تشمل اليوان الصيني وحده، بل هناك بلدان أخرى لديها عملات رقمية للبنوك المركزية مثل مجموعة بريكس، مما يمكنها من لعب أدوار ثانوية في التحول التدريجي بعيداً عن الدولار.
ووفقًا للمجلس الأطلسي، فإن 134 دولة واتحادًا نقديًا، يمثلون 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يستكشفون الآن تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية، فهي تتيح للبنوك بالدفع شبه الفوري بين الدافع والمدفوع له، في حين أن عملية الدفع عبر نظام "سويفت" مكلفة وبطيئة جداً.
الخلاصة: ما يؤكد إلغاء نظام "الدولرة" تدريجياً وبسرعة هو أن المدفوعات الرقمية باليوان مقابل النفط "البترويوان" أصبحت هي القاعدة بالنسبة للصين، دون أن يعني هذا الإطاحة بالدولار، لكنها تحولت إلى خيار فعال للتحرر من هيمنة الدولار السائدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
(علي عبود - أخبار سوريا الوطن-1)