عنب بلدي – أمير حقوق – تشير التطورات الأخيرة في العلاقات السورية الروسية إلى مرحلة جديدة بعد التحول السياسي الذي شهدته سوريا في أواخر عام 2024، عقب سقوط نظام الأسد، الذي كانت روسيا من أبرز داعميه. هذه التطورات تثير تساؤلات حول إمكانية عودة العلاقات بين دمشق وموسكو إلى مسارها الطبيعي، أم أن العوامل الإقليمية والدولية والمصالح السياسية والاقتصادية ستفرض واقعًا جديدًا.
في 9 أيلول الحالي، التقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وفدًا روسيًا برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، في دمشق. وأشار الشيباني إلى أن العلاقات بين سوريا وروسيا "عميقة وتاريخية، ولكنها لم تكن متوازنة دائمًا"، معتبرًا أن "الدعم الروسي الصريح" لسوريا الجديدة سيكون في مصلحة سوريا والمنطقة.
ألكساندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، أكد أن تطوير العلاقات مع سوريا يتم تحت إشراف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معتبرًا سوريا دولة واعدة في الشرق الأوسط، وأن العلاقات المستقبلية بين البلدين ستكون مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون الثنائي.
إعادة صياغة العلاقة
تشهد العلاقات السورية الروسية تقدمًا ملحوظًا في المجال الدبلوماسي بعد سقوط النظام السابق، على الرغم من توقعات بتجاهل متبادل بسبب عدم تشجيع الولايات المتحدة واشتراطات الدول الأوروبية الرافضة للنفوذ الروسي. ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز "الدراسات العربية الأوراسية"، يرى أن العلاقات السورية الروسية تدخل مرحلة حساسة، تتطلب اختبارًا متبادلًا وإعادة صياغة.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضح بريجع أن هناك مخاوف من أن يتحول الوجود الروسي إلى غطاء لعقود طويلة الأمد تقيّد السيادة الوطنية، لكنه أشار أيضًا إلى أن روسيا تمتلك القدرة على إعادة تشغيل قطاع الطاقة، وتوفير القمح والدواء، وترميم البنية التحتية، مما يجعلها شريكًا لا غنى عنه.
الكاتب السياسي درويش خليفة يرى أن العلاقة بين سوريا الجديدة وروسيا تسير وفقًا للحاجة المتبادلة، مشيرًا إلى أن روسيا كانت تعتبر السلطة الحالية (المتمثلة حينها بـ"هيئة تحرير الشام") جماعة "إرهابية"، وأن من مبررات عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بالنظام السابق كان استهداف روسيا لمسجد يُعلَّم فيه الأطفال القرآن.
ضغوط ملف السويداء والعلاقة مع إسرائيل
يرى محللون أن توجه دمشق نحو موسكو يأتي في ظل سعي سوريا للحصول على الدعم السياسي الروسي، خاصة بعد التغير في اللهجة الأوروبية والأمريكية تجاه السلطة في دمشق، عقب أحداث السويداء. ديميتري بريجع يعتقد أن الغرب لم يقدم لسوريا سوى العقوبات والضغوط السياسية، بينما الإرث التاريخي للعلاقات مع الاتحاد السوفييتي يمنح موسكو رصيد ثقة.
وأشار إلى أن أحداث السويداء أظهرت محدودية التأثير الأوروبي والأمريكي، وأكدت حاجة سوريا إلى بدائل عملية تضمن الأمن والاستقرار. وأضاف أن المصالح السياسية المكتسبة متبادلة، حيث تحصل سوريا على دعم استراتيجي واقتصادي وعسكري، بينما تحصل روسيا على نفوذ في الشرق المتوسط وشريك عربي.
وشهدت محافظة السويداء انتهاكات متبادلة بين الحكومة السورية ومقاتلين من عشائر البدو وفصائل محلية، بالإضافة إلى مظاهرات في ساحة "الكرامة" تطالب بـ"تقرير المصير" وترفع أعلامًا إسرائيلية.
استغلال موقفها بمجلس الأمن
تهدف دمشق من خلال التقارب مع موسكو إلى تنويع الحلفاء، وكسب الشرعية الدولية، وضمان دعم روسي في مجلس الأمن، وتجنب إعادة فتح ملف الديون الروسية المتراكمة. ويرى درويش خليفة أن هذا التقارب قد تم بناء على نصيحة من تركيا، بهدف ردع الاعتداءات الإسرائيلية.
وأضاف خليفة أن هناك مصلحة مشتركة في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بين دمشق وموسكو، ضمن مسعى سوري لتنويع شراكاتها، على الرغم من رفض الغرب لهذا التقارب.
زيارة الشرع اختبار مزدوج
أعلنت السفارة السورية في موسكو أن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، سيترأس وفد سوريا في القمة الروسية العربية المقبلة. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أشار إلى أن روسيا تتطلع لزيارة الرئيس السوري لحضور القمة.
ديميتري بريجع اعتبر أن الزيارة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى موسكو تمثل لحظة فارقة واختبارًا مزدوجًا، حيث من المرجح أن يلتقي بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمناقشة قضايا حساسة مثل قواعد الاشتباك الجوي، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وآليات تمويل مشاريع الطاقة والغذاء.
ويرى بريجع أن المعادلة تقوم على التوازن بين النقد والدعم، وأن نجاح هذا المسار سيقاس بقدرة الطرفين على تحويل الشعارات إلى مؤسسات، والوعود إلى كهرباء ودواء وخبز.
علاقة تحفظ الاستقلالية
يعتقد درويش خليفة أن عقد لقاء بين بوتين والشرع على هامش القمة الروسية العربية هو محاولة لإيصال رسالة مفادها أن روسيا تدعم الدولة والشعب السوري بغض النظر عن الجهة الحاكمة، وأن الطرفين يمتلكان الإرادة لإعادة صياغة العلاقة على أسس جديدة تحفظ الاستقلالية لسوريا.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد دعا جميع قادة جامعة الدول العربية إلى القمة الروسية العربية الأولى، مؤكدًا أن القمة ستسهم في تعزيز التعاون وضمان السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.