الخميس, 11 سبتمبر 2025 07:11 PM

نزاعات عقارية تاريخية تتجدد في السومرية: إخلاء العشوائيات يأخذ بعداً طائفياً

نزاعات عقارية تاريخية تتجدد في السومرية: إخلاء العشوائيات يأخذ بعداً طائفياً

المداهمات وعمليات الإخلاء التي شهدتها السومرية، الضاحية العشوائية غربي دمشق، تكشف عن صراع أعمق: نزاعات عقارية متجذرة مع بلدة معضمية الشام المجاورة، والتي صودرت أراضيها في عهد حافظ الأسد.

في 27 آب/أغسطس، وقفت نيرمين علي (اسم مستعار)، البالغة من العمر 41 عاماً، مع مجموعة من النساء والفتيات في السومرية، وهن يهتفن ويصفقن: “نريد بيوتنا، نريد بيوتنا”. قبل ذلك بوقت قصير، دخلت مجموعة مسلحة إلى السومرية مدعية أنها تعمل بأوامر حكومية، وأمهلت السكان 72 ساعة لمغادرة منازلهم. تعرض رجال من الحي للضرب والاعتقال، وعندما احتجت علي ونساء أخريات قوبلن بعنف.

روت علي لـ”سوريا على طول” أن رجلاً مسلحاً يرتدي لباس الأمن العام السوري دفع إحدى النساء أرضاً، و”دُفعت امرأة أخرى بسلاحه فسقطت أرضاً على مؤخرة رأسها، ما أفقدها الوعي ونقلت على إثرها إلى المستشفى”. تم توثيق حادثة الاعتداء بمقطع فيديو، وأكدت منصة “تأكد” صحة الفيديو.

مع نهاية اليوم، تعرضت العديد من منازل السومرية للنهب والسرقة، بما في ذلك منزل علي، التي أشارت إلى أنها فقدت ذهباً بقيمة ألفي دولار أميركي، إضافة إلى مبلغ مالي مقداره 1.5 مليون ليرة سورية. المسلحون، الذين يتبعون لشخص يدعى “أبو حذيفة”، أبرزوا للسكان وثيقة “رسمية” تأمرهم بإخلاء منازلهم، لكنها لم تحمل توقيعاً رسمياً ولا تاريخاً. بعد ذلك، صرحت السلطات السورية أن مصير المساكن العشوائية سيُحسم وفقاً للقانون والقرارات القضائية. ومع ذلك، فرّ العديد من السكان.

قصة علي هي جزء من تاريخ أكثر تعقيداً، فيه مظالم بحق كلا الجانبين: سكان معضمية الشام، أصحاب الأرض، وسكان التجمع العشوائي الحاليين. ابتداءً من خمسينات القرن الماضي، استملكت الدولة مساحات شاسعة من الأراضي التابعة إدارياً لمعضمية الشام، وشيدت الحكومة مساكن عسكرية على الأراضي المستملكة، فيما انتشرت حولها مساكن عشوائية، وهي السومرية حالياً.

بعد نحو أسبوع من مداهمة 27 آب/أغسطس، ساد في السومرية هدوء يشوبه التوتر، إذ تعرضت بعض البيوت العشوائية للنهب، ومقتنياتها مبعثرة في الشوارع. كان الحي العشوائي يضم 15 ألف نسمة عام 2010، لكن بعد سقوط النظام، فرّ معظم السكان باستثناء الثلث تقريباً، كما قال رئيس المجلس المحلي لبلدة المعضمية، أحمد إدريس.

يصرّ من بقي من سكان السومرية على حقهم في البقاء بمنازلهم، إذ قالت علي: “دفعنا ثمن بيوتنا بدمنا، ولم نأخذها هكذا [بالمجان]”. مروان حمزة (اسم مستعار)، 61 عاماً، وهو صاحب بقالة صغيرة في السومرية، اشترى منزله في المنطقة العشوائية من مالك سابق عام 2006، بمبلغ 80 ألف ليرة سورية، وعلى عكس معظم السكان، يحوز حكماً قضائياً يثبت ملكيته.

أوضح رئيس بلدية معضمية الشام، أحمد إدريس، أن من يملكون إثباتات سكن سيُحمَون مؤقتاً من الإخلاء، إلى أن يتم حل النزاع العقاري عبر لجنة مؤلفة من وجهاء المعضمية والسومرية ومحامين. من جهته، قال محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي أن “الدولة السورية ملتزمة بحل هذه القضايا بعدل وشفافية، بعيداً عن التهجير والإخلاء القسري”.

أضاف إدريس: “يجب إعادة العقارات إلى مالكيها الشرعيين، ويجب أن تُحل النزاعات عبر المحاكم”. لكن العديد من أهالي المعضمية رفضوا فكرة تأجير عقاراتهم لسكان السومرية. “أهالي السومرية متواطئون، وهم السبب في الانتهاكات التي حصلت في معضمية الشام وفي عموم الريف”، قال أحمد محمد صوان، 45 عاماً.

يرفض صوان، الذي صودرت أراضي أجداده في السومرية، تأجيرها للسكان الحاليين، قائلاً: “بيوتهم يجب أن تُهدم ويُعاد بناؤها من جديد، فهي غير صالحة للسكن”.

قال المحامي عارف الشعّال، المتخصص في قضايا السكن والأراضي وحقوق الملكية، أنّ “القانون يقف طبيعياً إلى جانب سكان معضمية الشام لأن ملكيتهم مثبتة في السجل العقاري، بينما قلّة من سكان السومرية لديهم حكم قضائي يضمن حقوقهم”. من جهته، قال المحامي علي بركات، من السومرية، إن السكان يملكون أحكاماً قضائية “ولهم الحق في البقاء في منازلهم”.

إن قضية السومرية لا يمكن معالجتها من دون حل قضايا المصادرة في عموم سوريا، قال الشعال، لافتاً إلى أن “الفرق في قضية السومرية أنها أخذت بعداً طائفياً”. وأوصى الشعّال بأن يعيّن المحافظ هيئة حكومية تدرس قضايا المصادرة، وأن تسمع لجميع الأطراف وتقدّم سياسات “تضمن التوازن بين حقوق الدولة والمالكين والقاطنين”.

وفيما يبقى مصير سكان السومرية معلّقاً، فإن استعادة أهالي المعضمية لأراضيهم ما تزال أحلاماً غير محققة.

مشاركة المقال: