الإثنين, 8 سبتمبر 2025 10:28 AM

صندوق التنمية السوري: انطلاقة قوية وتطلعات واسعة وسط جدل حول الشفافية

صندوق التنمية السوري: انطلاقة قوية وتطلعات واسعة وسط جدل حول الشفافية

دمشق – موقع أخبار سوريا والعالم: بعد ساعات قليلة من إطلاقه، تجاوزت قيمة التبرعات المعلنة لصندوق التنمية السوري حاجز الـ 60 مليون دولار، مما يعكس التفاعل الشعبي الكبير والاهتمام العام بهذه المبادرة الوطنية. يهدف الصندوق إلى إعادة بناء الدولة من خلال التنمية المستدامة، ليصبح أحد الأدوات الرئيسية لـ "سوريا الجديدة" بعد سقوط النظام السابق.

انطلق الصندوق من قلعة دمشق يوم الخميس الماضي بحضور الرئيس أحمد الشرع وممثلين عن منظمات دولية. وبحسب المعلومات والتقارير الرسمية، بدأ الصندوق فعليًا منذ إعلانه في مطلع العام الجاري بتنفيذ عدد من المشاريع في الجنوب السوري وريف دمشق. وشملت هذه المشاريع ترميم شبكات الكهرباء والمياه، ودعم المزارعين الذين فقدوا أراضيهم، وإنشاء مراكز تدريب مهني للشباب العاطلين عن العمل.

على الرغم من أن مرسوم تأسيس الصندوق لم يُنشر رسميًا حتى الآن، يؤكد المتابعون والمتخصصون في الشأن التنموي على أهميته، مستندين إلى تقارير ومعلومات شبه رسمية. يرى الاقتصادي يونس السليمان، في حديث لشبكة أخبار سوريا والعالم، أن الصندوق يمثل خطوة مهمة ومحورية لإشراك جميع السوريين في إعادة إعمار بلدهم وانتشال اقتصادهم الوطني، مما يقلل من دور التمويل الخارجي ويخفف من الشروط التي يمكن فرضها على الدولة السورية.

أعرب السليمان عن تفاؤله بتحقيق الصندوق مكاسب مهمة، مستندًا إلى الإحساس العالي لدى السوريين بمسؤوليتهم تجاه وطنهم. ومع ذلك، أشار إلى أن هذا لا يعني أن الصندوق قادر على تغطية جميع المشاريع التنموية الملحة والضرورية على المدى المنظور.

يعتمد تمويل الصندوق على اعتمادات من الموازنة العامة للدولة، وتبرعات شعبية، ومساهمات رجال الأعمال، ومنح دولية مشروطة من منظمات غير حكومية، وعائدات استثمارية من المشاريع الممولة.

يعلق السوريون آمالًا كبيرة على أن تظهر إيجابيات الصندوق سريعًا على أرض الواقع من خلال توفير التمويل للمناطق المتضررة من الحرب، وتشجيع إطلاق مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة، وخلق فرص عمل محلية، وجذب مساهمات من رجال أعمال سوريين في الداخل والخارج، وإطلاق برامج دعم للمرأة الريفية، ومشاريع إسكان مؤقت للعائلات التي فقدت منازلها.

لم يخلُ الزخم الكبير لصندوق التنمية السوري من انتقادات من باحثين ومتخصصين. فقد عبّر عدد من الاقتصاديين عن قلقهم بشأن ما أسموه غياب الشفافية في إدارة الأموال، وطالبوا بنشر تقارير دورية توضح آليات الصرف والمشاريع المستهدفة. وفي هذا السياق، تساءل الاقتصادي تمام ديبو عن الجهة التي تشرف فعليًا على تنفيذ المشاريع، في ظل غياب جهة رقابية مستقلة معلنة. وأشار إلى أن مشروعية الانتقادات على غياب الرقابة المستقلة على عمل الصندوق لأنه لم تُعلن حتى الآن جهة محايدة تتابع أداء الصندوق أو تقيّم أثره على الأرض، ليبقى التساؤل الأهم بحسب رأيه حول مدى التزام الصندوق بالعدالة والشفافية، خاصة في ظل غياب نص المرسوم التأسيسي عن التداول العام.

ظهرت أصداء دعوات التبرع الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أنها تجسيد حقيقي لدور السوريين في بناء وطنهم، بينما رأى البعض الآخر أن الدولة يجب أن تتحمل مسؤولية الإعمار، لا أن تُحمّل المواطن عبء التمويل، خصوصًا في ظل أزمة معيشية خانقة. وبرزت أيضًا مخاوف من تسييس توزيع المشاريع، حيث تساءل البعض إن كانت الأولوية ستُمنح للمناطق الأكثر تضررًا فعلاً، أم ستُوجّه لمناطق محسوبة على جهات معينة.

في سياق المقارنة، أشار عدد من الخبراء إلى أن صناديق التنمية في دول العالم، مثل صندوق التنمية السعودي، لا تعتمد على التبرعات الشعبية، بل تُموّل من الموازنات العامة وتُدار عبر مؤسسات فرعية متخصصة، ما يضمن استقلالها وفعاليتها. هذا النموذج أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة النموذج السوري الحالي، وما إذا كان بحاجة إلى إعادة هيكلة قانونية وإدارية.

على الرغم من هذه الملاحظات، يبقى الصندوق خطوة مهمة في طريق التعافي الوطني، ويُنظر إليه كأداة مركزية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، شرط أن يُدار بمهنية، ويخضع لرقابة حقيقية، ويُلبي احتياجات السوريين بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة. والأهم من ذلك، أن نجاح الصندوق لا يُقاس فقط بحجم المشاريع، بل بقدرته على تحقيق العدالة التنموية، واستعادة الأمل في مستقبل أكثر استقرارًا وإنصافًا لجميع السوريين.

مشاركة المقال: