تشهد الأسواق السورية تدفقًا كبيرًا للمنتجات التركية، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وتبني الحكومة الجديدة لنهج اقتصاد السوق الحر. هذا الوضع يقلل من فرص المنتج السوري وقدرته التنافسية بسبب الأسعار المنخفضة للمنتجات التركية، وفقًا لـ عنب بلدي – أمير حقوق.
تشمل البضائع التركية معدات صناعية غير متوفرة محليًا بكميات كافية أو بجودة تنافسية، بالإضافة إلى منتجات زراعية وصحية ضرورية للأمن الغذائي والصحي. يحذر الخبراء من الاعتماد الكامل على المنتجات التركية دون إجراءات حمائية، مما يهدد المنشآت الصغيرة في ظل غياب الدعم الحكومي الكافي، وينعكس سلبًا على الميزان التجاري بين البلدين.
في آب الماضي، صرح مصطفى غولتبه، رئيس مجلس المصدّرين الأتراك، بتوقع حجم تجارة يتجاوز ثلاثة مليارات دولار بين سوريا وتركيا في فترة قصيرة. وأكد جلال كادوأوغلو، رئيس لجنة سوريا في مجلس المصدّرين الأتراك، ارتفاع الصادرات التركية إلى سوريا بنسبة 49.3% لتتجاوز 1.2 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي. وتوقع، في بيان نقلته وكالة “الأناضول” التركية، أن يتجاوز حجم الصادرات ملياري دولار مع نهاية العام الحالي.
تحول هيكلي
يرى الأكاديميون والخبراء الاقتصاديون أن زيادة الصادرات التركية إلى سوريا تشكل تهديدًا للمنتج السوري وتنعكس سلبًا على الميزان التجاري السوري. يعتبر الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي أن ارتفاع قيمة الصادرات التركية يعكس تحولًا هيكليًا في الاقتصاد السوري، حيث يعتمد الاقتصاد السوري بشكل شبه كامل على المستوردات لتأمين مستلزمات الإنتاج.
تتمثل طبيعة المستوردات التركية وأهميتها للاقتصاد السوري، بحسب الدكتور قوشجي، في:
- مستلزمات إنتاج حيوية ومعدات صناعية، كالآلات وقطع الغيار ومواد البناء والأسمنت والزجاج والسيراميك والمعادن والأجهزة الكهربائية.
- مدخلات زراعية وصحية، مثل الأسمدة والمعدات الزراعية والمستلزمات الطبية.
يعتقد الدكتور قوشجي أنه يمكن تحقيق تكامل صناعي إذا تم تنظيم هذه المستوردات ضمن إطار شراكة إنتاجية تسهم في إعادة تشغيل المنشآت السورية وتحسين جودة الإنتاج المحلي.
غياب التبادل الربحي والدعم الحكومي
تتمتع الصادرات التركية بدعم يقارب 15%، بينما المنتجات السورية تفتقد الدعم، مما يخل بالتوازن التجاري، بحسب الخبير الاقتصادي محمد الحلاق. المنتجات التركية متوفرة بكثرة في الأسواق السورية بأسعار منخفضة مقارنة بالمنتجات المحلية، مما يفقد الأخيرة قدرتها على المنافسة.
قال إبراهيم فؤاد أوزجوريكجي، رئيس مجلس الأعمال التركي-السوري، إن تركيا تهدف إلى وصول حجم التبادل التجاري إلى عشرة مليارات دولار على المدى المتوسط. وفرة المنتجات التركية في الأسواق السورية، كالأغذية والمنتجات الصناعية والمعدات والآلات الصناعية، جعلها تشكل "غزوًا" على المنتجات السورية.
يلخص الدكتور إبراهيم قوشجي أثر هذه المستوردات على المنتج المحلي والمنشآت السورية في مسألتين:
- اعتماد مزدوج: المنتج المحلي يواجه منافسة من السلع التركية الجاهزة ويعتمد على مستوردات تركية لتأمين مدخلاته.
- تهديد للمنشآت الصغيرة: ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي مقابل انخفاض تكلفة المنتج التركي يضع المنشآت السورية في موقف ضعيف.
يرجح قوشجي فرصة للنمو المشروط إذا تم تحويل هذه المستوردات إلى أدوات إنتاج، بينما اعتبر الخبير محمد الحلاق أن سوريا بلد زراعي وصناعي وتجاري، وبالتالي يجب دعم المنتجات المحلية لتحقيق قدرتها التنافسية.
عجز الميزان التجاري
تتمثل انعكاسات الاستيراد على الميزان التجاري وميزان المدفوعات في عجز تجاري متفاقم، وفقًا للدكتور إبراهيم قوشجي. بلغ العجز التجاري السوري أكثر من 17 تريليون ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 1.56 مليار دولار. ويضيف قوشجي أن استمرار الاستيراد دون نمو موازٍ في الصادرات سيزيد هذا العجز.
من الانعكاسات أيضًا الضغط على ميزان المدفوعات، لأن ارتفاع فاتورة الاستيراد يستهلك احتياطيات النقد الأجنبي، ويزيد الحاجة إلى تحويلات خارجية أو دعم دولي.
مطالب المنتج المحلي السوري
في ظل التحديات الاقتصادية والتجارية في سوريا، يواجه المنتجون المحليون ضغوطًا كبيرة من المنافسة التركية. يرى الدكتور إبراهيم قوشجي أن ذلك يتطلب عدة عوامل وأولويات تحمي المنتج المحلي وتسهم في تطوره وقدرته التنافسية:
- حماية ذكية تفرض رسومًا على المنتجات التركية التي لها بديل محلي.
- دعم مباشر عبر توفير قروض ميسرة وتخفيض الضرائب وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.
- ترويج خارجي من خلال فتح أسواق جديدة للمنتجات السورية.
- إنشاء مناطق صناعية بشراكات محلية ودولية.
- تحفيز الاستثمار المحلي عبر تخفيض الضرائب وتسهيل الإجراءات ودعم الابتكار.
- إصلاح بيئة الأعمال ومكافحة الفساد وتبسيط الإجراءات.
- سياسات حمائية ذكية تمنع إغراق المنتجات المستوردة وتشجيع الإنتاج المحلي عبر دعم حكومي موجه.
رفع الحصيلة الضريبية
يرى الخبير محمد الحلاق أن تخفيض أجور الإنتاج وتكلفة التصنيع يزيد نسبة الدخل، والأهم رفع الحصيلة الضريبية التي تعد من أهم الركائز للدولة السورية. بالمقابل، يجب أن تكون هناك رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات التركية، مع دراسة النفقات والأعباء، لكي يكون المنتج السوري قادرًا على زيادة الإنتاج وزيادة الصادرات.
في تقرير سابق نشرته عنب بلدي، اعتبر خبراء اقتصاديون أن التوجه إلى اقتصاد السوق الحر يتطلب بيئة متكاملة تحمي المنافسة، والإعفاءات الضريبية للإنتاج المحلي قد تساعد على تحريك الأسواق، لكنها في غياب خطة واضحة قد تتحول إلى عبء مالي على الدولة. ودعوا إلى تطبيق اقتصاد موجه ولو بشكل بسيط من قبل الحكومة.
ذكر المكتب الإحصائي التركي أن الصادرات التركية إلى سوريا بلغت 2.2 مليار دولار العام الماضي، في حين بلغت الواردات من سوريا 437 مليون دولار، وبلغت فقط في كانون الأول 2024، 233.7 مليون دولار.