أثار قرار الحكومة الأخير بشأن حصر السلاح بيد الدولة حساسية بالغة لدى المؤسسة العسكرية، إذ وضعت السلطة السياسية قيادة الجيش في موقف حرج، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، والاحتلال، والضغوط الخارجية المتعلقة بسلاح حزب الله. خطوة الحكومة، التي اتخذت في جلسة مطلع آب، بدت كمحاولة لنقل مسؤولية التنفيذ إلى الجيش، مما قد يضعه في مواجهة مباشرة مع المقاومة وجمهورها، وهو ما ترفضه القيادة العسكرية. كما عكست الضغوط الداخلية والخارجية والإغراءات الموجهة للجيش.
في خلفية المشهد، يبرز الدور الخارجي كعامل ضغط على المؤسسة العسكرية. إذ تواصل واشنطن ودول أوروبية تقديم دعم مالي ولوجستي للجيش، مع إغراءات بزيادة الدعم مقابل انخراط الجيش في تنفيذ ما تراه «إملاءات». تجد القيادة نفسها بين ضغوط داخلية لتحميلها مسؤولية مواجهة سلاح «مقاومة الاحتلال»، وإغراءات خارجية لتحويل المؤسسة العسكرية إلى أداة في مشروع سياسي لا ينسجم مع التوازنات الوطنية.
من ناحية الإغراءات، تقدم الولايات المتحدة والدول الأوروبية مساعدات مالية وعسكرية للجيش اللبناني باستمرار. ففي مطلع العام الحالي، قدم المجلس الأوروبي أكثر من 80 مليون يورو لدعم الجيش وتعزيز قدراته للانتشار في الجنوب، تماشياً مع قرار مجلس الأمن 1701.
تُعتبر قطر من أبرز الداعمين للجيش اللبناني منذ الأزمة الاقتصادية عام 2019، حيث بدأت بمساعدات غذائية ثم منح مالية نقدية منذ عام 2022، وأخيراً عبر تقديم عشرات الآليات العسكرية ومنح مالية بقيمة 60 مليون دولار لمساعدة المؤسسة في دفع رواتب الضباط.
تزداد المخاوف من أن يصبح القرار السياسي للجيش بيد الخارج، وأن تكون المساعدات لتنفيذ مصالح خارجية على حساب المصالح الوطنية.
بحسب مصادر عسكرية تحدثت لـ«الأخبار»، فإن الجيش لا ينوي القيام بأي خطوة تفتح باب الصدام مع حزب الله أو مع البيئة الشعبية التي تحتضنه، خاصة وأن وحداته منتشرة في مناطق الجنوب بين بيئة المقاومة وشعبها، ومعظم الجنود والضباط المنتشرين في جنوب لبنان هم من أبناء تلك الأرض.
أكدت المصادر أن القيادة العسكرية حريصة على منع أي انقسام داخل المؤسسة، وترى أن أي اندفاع في هذا الاتجاه سيؤدي إلى اهتزاز بنيتها الداخلية التي حافظت على تماسكها رغم الأزمات السياسية.
في المقابل، تتخوف مصادر سياسية مطلعة على عمل الجيش من انقسام داخل صفوفه، وتؤكد هذا الاتجاه، ما يحتّم على السلطة السياسية التدخل قبل الوصول إلى ما قد لا يحمد عقباه. وتشير المصادر نفسها إلى التعددية الطائفية والمجتمعية في الجيش، متسائلة: «كيف لعنصر في المؤسسة العسكرية أن يشهر سلاحه أمام أحد أفراد عائلته أو أصدقائه؟ وكيف لابن عرسال أن يُواجه من حرر أرضه؟». وتعتبر المصادر أن المواجهة بين الجيش والشعب «غير واردة لا من قريب ولا من بعيد».
تعرب أوساط سياسية عن خشيتها من أن يؤدي الضغط السياسي على الجيش إلى اصطدام مباشر بين المؤسسة العسكرية والمقاومة أو جمهورها. وتشير إلى أن مطلب حصر السلاح قد يلقى تأييداً واسعاً، ولكن تطبيقه على الأرض دونه شروط أساسية: انسحاب قوات العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وقف الاعتداءات المستمرة، واسترجاع الأسرى. وإلا، فإن معظم القوى ستجد نفسها أقرب إلى موقف المقاومة.
شددت مصادر مقربة من الثنائي الشيعي لـ«الأخبار» على أن أي سيناريو يضع الجيش في مواجهة مباشرة مع المقاومة مرفوض بالكامل، وأن هذه المواجهة لن تحصل تحت أي ظرف، لأن المؤسسة العسكرية تمثل عنصر توازن وطني لا يجوز الزج به في معركة داخلية. وأوضحت أن أي محاولة لاستدراج الجيش إلى صدام مع المقاومة ستعني ضرب آخر ما تبقى من مؤسسات الدولة الجامعة.
من جهة ثانية، شددت المصادر على أن «استئصال» المقاومة «كما يريد البعض هو أمر غير مقبول بالنسبة إلينا ولن نسمح لأحد بأن يلغي دورنا»، وأكدت أن حزب الله وحركة أمل يرفضان المواجهة مع الشعب أو مع السلطة السياسية أو مع المؤسسة العسكرية.
ولا يزال حزب الله يطرح خيار الحوار كمسار أساسي لمعالجة ملف السلاح. وترى مصادر متابعة أن التصعيد الذي شهده خطاب بعض القوى السياسية يحتاج إلى تهدئة قبل الوصول إلى جلسة أيلول المقبلة، التي يُفترض أن تضع الخطوط العامة لمرحلة ما بعد القرار. وأكدت أن الحزب منفتح على النقاش الداخلي «قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة»، محذرة من أن أي رهان على الجيش لفرض معادلات خارجية هو رهان خاسر.
وفي ذات السياق، أشار قائد الجيش، العماد رودولف هيكل، في اجتماع استثنائي في اليرزة، إلى أن «الجيش يتحمل مسؤوليات كبرى على مختلف المستويات، وهو مقبل على مرحلة دقيقة يتولى فيها مهمات حسّاسة»، مؤكداً أنه «سيقوم بالخطوات اللازمة لنجاح مهمته آخذاً في الحسبان الحفاظ على السلم اﻷهلي واﻻستقرار الداخلي». وأوضح هيكل أن «الجيش مقبل على مرحلة دقيقة»، مضيفاً: «لقد بذلنا تضحيات جسيمة وقدمنا الشهداء في سبيل واجبنا الوطني، ولن يثنينا شيء عن المضي في تحمُّل مسؤوليتنا في مختلف المناطق وعلى امتداد الحدود».