أعلنت وزارة العدل في العاشر من آب الجاري عن فتح باب استقبال الشكاوى من الأفراد المتضررين أو الذين تعرضوا للظلم أو الابتزاز نتيجة لأعمال قضاة محكمة "قضايا الإرهاب" المنحلة. تأتي هذه الخطوة بعد أن باشر قاضي التحقيق المكلف من قبل الهيئة العامة لمحكمة النقض تحقيقاته في القضية.
أوضحت الوزارة أنه يمكن للمواطنين تقديم شكاواهم عبر ديوان محكمة النقض في دمشق خلال أوقات الدوام الرسمي، أو من خلال الحضور الشخصي لتقديم المعلومات والأدلة المتوفرة لديهم، مع إمكانية الاستماع إليهم كشهود للحق العام أمام قاضي التحقيق في المحكمة. يأتي هذا الإجراء في إطار متابعة وزارة العدل للتحقيقات المتعلقة بالممارسات التي صاحبت عمل قضاة المحكمة المذكورة.
في المقابل، يطالب ناشطون بتوسيع آليات التقديم لتشمل السوريين في الخارج والمناطق البعيدة عن دمشق.
تساؤلات المتضررين
يوسف بكداش، وهو ناشط في المجال الإنساني، يرى أن هذا البلاغ خطوة إيجابية، لكنه يعتبرها غير كافية لضمان العدالة الشاملة لعدة أسباب، منها:
- حصر تقديم الشكاوى بديوان محكمة النقض في دمشق أو بالحضور الشخصي، ما يشكل عقبة أمام آلاف المتضررين في المحافظات الأخرى، خاصة ممن لا يستطيعون السفر لأسباب صحية أو مالية أو أمنية.
- محكمة الإرهاب كانت جزءًا من منظومة قضائية استثنائية أوسع، والعدالة الحقيقية تتطلب مراجعة شاملة لكل هذه المحاكم.
- مجرد استقبال الشكاوى، حسب بكداش، لا يضمن المحاسبة أو التعويض، خصوصًا مع غياب إعلان واضح لآلية المحاسبة والتعويض.
ويشدد بكداش على ضرورة توسيع نقاط استقبال الشكاوى عبر مكاتب في المحافظات، واعتماد وسائل بديلة مثل البريد الإلكتروني أو البريد المضمون، مع نشر تقارير دورية عن عدد الشكاوى والإجراءات المتخذة، إضافة إلى توفير مساعدة قانونية مجانية للمتضررين وتحديد مدة زمنية للرد على الشكاوى. واختتم بأن التنسيق مع منظمات المجتمع المدني، خصوصًا القانونية منها، ضروري للوصول إلى الضحايا في المناطق النائية أو اللاجئين في الخارج، متسائلاً: "أنا مثلًا ضحية حرب، كنت مطلوبًا لمحكمة الإرهاب، وأقيم في الدنمارك، فكيف يمكنني تقديم شكوى؟".
تواصلت عنب بلدي مع وزارة العدل لتوضيح هذه النقاط لكنها لم تحصل على ردود حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
توضيح قانوني
أوضح المحامي أحمد نجيب، في حديث إلى عنب بلدي، أن المحامي يستطيع تقديم الشكوى نيابة عن المتضرر بموجب وكالة قضائية لدى نقابة المحامين أو وكالة عدلية لدى الكاتب بالعدل، ولا يشترط حضور المتضرر إلا إذا طلبه النائب العام لتوضيح واقعة معينة، مع إمكانية حضور المتضرر من تلقاء نفسه. وأضاف نجيب أن هوية الشاكي ليست بالضرورة سرية، لأن الشكوى يجب أن يرد عليها، إلا إذا ارتأى المحقق إبقاءها سرية حفاظًا على سلامة الشاكي.
وبالنسبة للمقيمين في الخارج، أوضح أنه بإمكانهم تقديم شكاواهم عبر القسم القنصلي في أي سفارة سورية، أو تنظيم وكالة عدلية لدى المكتب القنصلي وتوكيل محامٍ داخل سوريا. أما المقيمون في المحافظات السورية، فيمكنهم تقديم شكاواهم لدى النيابات العامة في محافظاتهم لتحويلها إلى نيابة دمشق.
وأشار المحامي إلى أن إجراءات ملاحقة القائمين على محكمة الإرهاب بدأت بعد سقوط النظام السابق مباشرة، وشملت عزل بعض القضاة وإحالة آخرين إلى التحقيق والحجز على أملاكهم. وأضاف أن القضاة الفارين خارج سوريا يمكن ملاحقتهم عبر الإنتربول الدولي.
وأوضح أن الوثائق الرسمية يمكن أن تكون ضبوط شرطة، صور هويات وجوازات سفر، شيكات، بيانات مصرفية أو اتصالات، وإخراجات قيد عقارية. أما الأدلة الأخرى فتشمل فواتير الذهب، سندات الأمانة، صور عملات نقدية، مكالمات مسجلة، دردشات عبر تطبيقات التواصل، تسجيلات كاميرات المراقبة، أو شهادات شخصية.
ما محكمة الإرهاب؟
كانت وزارة العدل في الحكومة السورية أحالت، في شباط الماضي، 87 قاضيًا نشرت أسماءهم وطبيعة عملهم وهم ممن زاولو مهام قضائية ضمن محكمة "قضايا الإرهاب" إلى التحقيق. وأنشأ النظام السابق محكمة "قضايا الإرهاب" بموجب القانون "رقم 22" لعام 2012، عقب اندلاع الثورة السورية، وهي أقرب ما تكون إلى "فرع أمن جديد" بحسب توصيف "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".
شُكلت هذه المحكمة باقتراح من مجلس القضاء الأعلى الذي كان يترأسه رئيس النظام المخلوع، ومن صلاحيتها محاكمة المدنيين والعسكريين والأحداث وإصدار أحكام غيابية، ولا تقبل الطعن إلا لمن سلم نفسه طوعًا. عرّف القانون "رقم 22" الإرهاب بأنه "كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة، ويُرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة، أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته".