الإثنين, 18 أغسطس 2025 10:55 PM

الأحاجي والألغاز في الأدب العربي: فنون ذهنية عريقة وتراث شعبي

الأحاجي والألغاز في الأدب العربي: فنون ذهنية عريقة وتراث شعبي

تُعدّ الأحاجي والألغاز الشعرية من الفنون الأدبية التي عرفها العرب منذ القدم، وتحديدًا منذ العصر الجاهلي. حظيت هذه الفنون باهتمام كبير من قبل العلماء والأدباء على مر العصور، حيث قاموا بتأليف الكتب والرسائل حولها، ومن أبرز هؤلاء العلماء والأدباء: السيوطي، وابن قتيبة، وابن سلام، والزمخشري.

تعتبر الأحاجي والألغاز نوعًا من الأدب والتراث الشعبي الذي يعكس جوانب مختلفة من الثقافة والتقاليد العربية. تعتمد هذه الفنون في صياغتها على الشعر أو النثر، وتستخدم اللغة بطريقة فنية تهدف إلى إثارة التفكير والتسلية والتنافس بين الأفراد. يتم ذلك من خلال طرح أسئلة غامضة تتطلب حلولًا ذكية.

تتجلى أهمية الأحاجي والألغاز في كونها تعكس مهارة الشاعر في صياغة الألفاظ والبحث عن المعاني الخفية. بالإضافة إلى ذلك، تلعب دورًا هامًا في تنمية القدرات الذهنية واللغوية للمتلقي، وإثراء لغته من خلال استخدام الكلمات بطرق مبتكرة وجمالية.

ازدهرت الأحاجي والألغاز في الأندلس، حيث اتخذها الشعراء وسيلة للتعبير عن مهاراتهم وقدراتهم الذهنية. تطورت هذه الفنون مع مرور الوقت، وأصبحت أكثر تعقيدًا وتنوعًا في أساليبها وموضوعاتها، مما يتطلب من المبدع قدرة كبيرة على النظم والتأليف بين المتباعدات، ويستدعي من المتلقي قدرًا كبيرًا من الفطنة والوعي، والقدرة على إدراك العلاقة بين تلك المتباعدات التي قد تبدو للوهلة الأولى غير مرتبطة.

الأحجية هي سؤال أو عبارة غامضة تتطلب حلاً أو تفسيرًا، أما اللغز فهو ما يُعَمَّى من الكلام وفيه مشكل. مثال على لغز عن النار: "شعثاء غبراء الفروع منيفة بها توصف الحسناء أو هي أجمل دعوت بها أبناء ليل كأنهم وقد أبصروها معطشون قد أنهلوا". وأحجية أخرى في النار: "وآكلة بغير فم وبطن لها الأشجار والحيوان قوت إذا أطعمتها انتعشت وعاشت وإن سقيتها ماء تموت". ومثال على الأحاجي النثرية: "يتعلق بكل شيء ولا يستطيع أحد التعلق به".. (الغبار).

للأحاجي الشعرية خصائص عديدة، فهي تتسم بالإبهام والغموض، حيث تخفي المعنى الحقيقي وراء الكلمات والصور الشعرية. يعتمد الشعراء في صياغتها على المجاز والاستعارة والكناية لإضفاء طابع فني وجمالي على اللغز. قد تتضمن أيضًا التلاعب بالألفاظ مثل التصريف والقلب والحذف والتبديل. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الأحاجي في الحكايات الشَّعبية العربية كرموز ودلالات خاصة تعكس جوانب من الثقافة والتراث.

ورد عن العرب الإلغاز بطريقة السؤال والجواب على نحو المحاورة بين عبيد بن الأبرص وامرئ القيس التي ذكرها علي بن ظافر في كتابه بدائع البدائه، كما جمَّلوا أحاجيهم بالتورية فزادوها إبداعاً حتى صارت من زينة الشعر، كقول بعضهم في القلم: "وذي خضوعٍ راكعٌ ساجدٌ ودمعه من جفنه جاري مواظبُ "الخمِس" لأوقاتها منقطعٌ في خدمة الباري".

تنقسم الألغاز بشكل عام إلى قسمين: الألغاز المعنوية، ويشار فیها إلى الموصوف بذكر صفات الذات، والألغاز اللفظية، وترد فيها الإشارة إلى الموصوف من خلال ذكر كلمات تتضمن اسم الموصوف، أو بعض حروفه. ومن الألغاز نوع عجيب، وهو أن تلغز في اسم ويأتي في اللغز بما يطابق صورة أحرفه في الرسم من الأشياء، وهناك ألغاز النحاة والفقهاء وأهل الفرائض ومن ينتحلون الحكم والفلسفة.

أقدم ما وصل إلينا من أحاجي العرب نوع كان يستعمل في اختبار البداهة وقوة العارضة، فيلقي السائل الكلمة المفردة والمسؤول يُتمُّها في كل مرة حتى يحتبس لسانه أو يكل بيانه. ويرى البعض فروقاً قليلة بين الألغاز والأحاجي والمعميات بینما لایکاد یوجد فرق كبير بينها في الاعتبار والاصطلاح ويلحق جميعها بالمعميات، وقد خضعت الألغاز والأحاجي إلى مراحل عديدة من التطور والانتقال، وبقيت خلالها محافظة على شكلها الأدبي الشَّعبي المميَّز وسماتها ووظائفها لتبقى مليئة بالأفكار العميقة التي تُلبسها دائماً أشكالاً فنية رائعة تعكس جوانب هامة من جوانب الحياة العديدة.

المصدر: اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: