أصدرت لجنة الأمم المتحدة بشأن سوريا تقريرها المستقل حول مجازر الساحل التي وقعت في آذار الماضي، في تقرير تجاوز الـ 100 صفحة. وخلص التقرير إلى أن هذه الأحداث ترقى إلى "مجازر حرب" واسعة النطاق، مع تفصيل مجريات الأحداث في مناطق متعددة من أرياف حماة وحمص، ومحافظات اللاذقية وطرطوس ومدينتي بانياس وجبلة.
استندت نتائج اللجنة إلى تحقيقات مكثفة، تضمنت أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود، بالإضافة إلى معاينة ثلاثة مواقع لمقابر جماعية. وحمّل التقرير مسؤولية ارتكاب هذه الانتهاكات إلى عناصر قوات الحكومة المؤقتة وأفراد عاديين عملوا إلى جانبهم تحت مسمى "الفزعات"، وكذلك من قبل مقاتلين موالين للحكومة السابقة أو ما أطلقت عليهم حكومة دمشق "الفلول".
اللافت أن هذا التقرير لاقى ترحيباً في أوساط الساحل السوري المحلية، بعد خيبة أمل سببها تقرير لجنة التحقيق الرسمية التي كلفها الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، بفتح تحقيق مستقل في المجازر المرتكبة بحق آلاف المدنيين، والتي خلصت إلى أن كل المجريات كانت "رد فعل على هجوم استهدف الأمن العام من قبل الفلول، تخلله أخطاء فردية".
استطلعت "الأخبار" آراء سوريين من مناطق الساحل السوري وريف حماة التي شهدت أحداثاً دامية في آذار المنصرم حول التقرير المستقل. وقال أحمد من ريف جبلة – قرية صنوبر إن التقرير ذكر تفاصيل حاولت جهات رسمية إخفاءها، كارتكاب مجازر في قريته أدت إلى تصفية عائلات بكاملها.
وتابع أحمد أن التقرير تحدث عن نقطة هامة وهي مصير الجثامين التي بقيت عدة أيام في منازلها إلى أن جاءت فرق "الهلال الأحمر السوري" ونقلتها إلى مقابر جماعية، مضيفاً أنه "خسر عائلة خاله التي تتألف من 4 أفراد، ولم يستطع ذووهم معرفة مصير جثامينهم إلا بعد إبلاغهم بنقلهم إلى مقبرة جماعية في القرية، لكن تحديد الأضرحة بالأسماء لم يكن دقيقاً لكثرة العدد"، حسب وصفه.
بدورها، قالت لمياء من مدينة بانياس الساحلية، إنها فوجئت خلال قراءة التقرير بسرد حادثة تصفية 3 أفراد من عائلتها – نقلاً عن شهود عيان – حسبما ورد في التقرير، ما منحه المصداقية بالنسبة لها كواحدة من ذوي الضحايا.
ولفتت لمياء إلى أن تقرير اللجنة الرسمي الصادر عن فريق الحكومة السورية لم يأت على ذكر مدينتها بانياس التي شهدت واحدةً من أعنف المجازر بحق المدنيين كما يجب، حيث دخل المسلحون إلى المنازل وقاموا بتصفية المدنيين على أساس طائفي، كما أحرقوا المحال التجارية بعد نهب ممتلكاتها، مشيرةً إلى أن كل ذلك وجدته في تقرير لجنة الأمم المتحدة المستقلة.
من جانبها، أكدت مصادر أهلية لـ"الأخبار"، أن اللجنة قدمت إلى المناطق المتضررة وأجرت مقابلات مع ذوي الضحايا من الشهود على مجريات أحداث آذار، وقدمت لهم ضمانات بعدم التعرض لهم، والحفاظ على سرية أسمائهم، ما ساهم في جعل التقرير أكثر موضوعية.
وبحسب المصادر، كان التعامل مع لجنة التحقيق السورية الرسمية يتسم بالحذر نظراً لخوف الأهالي من التعرض لهم فيما بعد من قبل فصائل متفلتة تابعة للنظام السوري الجديد، واقتصرت المداخلات التي قدمها الأهالي على العموميات، التي كانت معلومة مسبقاً لدى المطلعين على ملف مجازر الساحل، على عكس ما جرى مع لجنة الأمم المتحدة المستقلة.
فيما يتعلق بملف المختطفات من الطائفة العلوية، اعتبرت المصادر الأهلية أن كشف حقيقة ما تتعرض له الشابات المختطفات من إهانات وإجبار على الزواج القسري كان لافتاً في وقت لا تولي فيه الحكومة السورية أهمية لهذا الملف، ما يجعله "سلوكاً شائعاً تمارسه الفصائل المتفلتة في محافظات حماة وحمص والساحل السوري، بلا رادع المحاسبة على الجريمة أو التعرض للمساءلة القانونية".
وعبر الأهالي الذين التقتهم "الأخبار" عن أملهم بالمحاسبة الجادة من قبل الحكومة السورية لجميع مرتكبي الانتهاكات الذين بات معظمهم معروفاً بسبب توثيقهم لجرائمهم ضد المدنيين عبر التصوير خلال المجازر.
وأكد الأهالي أن التقرير المستقل وغيره من التقارير الصحفية التي سجلت من داخل الساحل وحملت التفاصيل الواقعية لدموية مجازر آذار لن تكون أكثر من مجرد "حبر على ورق" إذا ما اقترنت بالمحاسبة العادلة التي ينتظرها أهالي الضحايا، لإعادة خلق الثقة بين الحكومة ومكون أصيل من مكونات الشعب السوري، حسب تعبيرهم.