الإثنين, 18 أغسطس 2025 01:21 PM

تقرير أممي يكشف تفاصيل العنف في الساحل السوري: انتهاكات جسيمة وجرائم حرب محتملة

تقرير أممي يكشف تفاصيل العنف في الساحل السوري: انتهاكات جسيمة وجرائم حرب محتملة

صدر تقرير عن “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2011، يسلط الضوء على الانتهاكات التي طالت المدنيين، من نساء ورجال، في منطقة الساحل السوري خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى آذار 2025.

حدد التقرير أن العنف الذي اندلع في المناطق الساحلية في آذار 2025، يرقى إلى مستوى النزاع المسلح غير الدولي بين الحكومة المؤقتة والقوات الموالية للنظام السابق، مما يستتبع تطبيق القانون الإنساني الدولي. وأكد التقرير على سريان القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى الالتزامات المترتبة على سوريا والحكومة المؤقتة بموجب التزاماتها التعاهدية والقانون الدولي العرفي، والمعترف به في المادة “12” من الإعلان الدستوري.

أوضح التقرير حجم التعاون بين لجنة التحقيق الدولية والسلطة المؤقتة، مشيرًا إلى تسهيل الأخيرة وصول بعثة اللجنة إلى المناطق الساحلية في حزيران الماضي، حيث قابلت مسؤولين رسميين محليين وقادة الأمن والشهود وعائلات الضحايا. كما زارت البعثة مواقع شهدت انتهاكات وثلاثة مواقع للدفن الجماعي.

في 19 أيار الماضي، طلبت اللجنة من السلطة المؤقتة معلومات حول حوادث قيد التحقيق، وفي 23 حزيران الماضي، تبادلت معها النتائج الأولية للتحقيق لسد الثغرات في المعلومات والتحديات التي تواجه السلطة لمنع الانتهاكات واحتوائها وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. وشاركت اللجنة الدولية جزءًا كبيرًا من التقرير مع السلطة ولجنة التحقيق الوطنية التي شكلها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 9 آذار الماضي.

اجتمعت لجنة التحقيق الدولية مع اللجنة الوطنية في آذار لتبادل الخبرات حول الممارسات الجيدة للتحقيق المستقل، وتكرر الاجتماع في حزيران لمناقشة النتائج الأولية لتقرير اللجنة الوطنية.

أشارت اللجنة الدولية إلى أنها لم تجد أي دليل على وجود سياسة حكومية محددة أو خطة لشن هذه الهجمات، لكن القتل والانتهاكات اتبعت نمطًا منهجيًا في عدة مواقع واسعة الانتشار. وخلصت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن أفرادًا من فصائل قوات الأمن التابعة لها، بما في ذلك قوات الأمن العام، و”الفرقة 62″ المسماة سابقًا “لواء السلطان سليمان شاه” (المعروفة باسم العمشات)، و”الفرقة 67″ المعروفة بفرقة أو فصيل “الحمزة”، و”أحرار الشام”، و”الفرقة 400″ (وتتكون من ألوية سابقة تابعة لهيئة تحرير الشام سابقًا)، بالإضافة إلى أفراد عاديين ارتكبوا أفعالًا ترقى إلى انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك أفعال ترقى إلى جرائم حرب، فضلًا عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

تناول التقرير بالتفصيل الانتهاكات الجسيمة التي استهدفت المجتمعات العلوية بدءًا من كانون الثاني الماضي، بما في ذلك سلسلة المجازر التي وقعت في آذار. كما حوى التقرير سردًا للجرائم التي ارتكبها ما يُعرف بفلول النظام. وأفاد التقرير بأن الانتهاكات والجرائم على أرض الواقع أكبر من الواردة فيه، وأن لجنة التحقق الدولية ما زالت تحقق في حوادث تمت في كل من حمص واللاذقية وطرطوس، وأن الهجمات الانتقامية تجاه المجتمعات العلوية ما زالت مستمرة، وعممت مناخًا من الخوف وانعدام الأمان بين عموم السوريين والسوريات في جميع الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، يمكن تسجيل بعض الملاحظات: من الواضح أن العفو العام الذي أطلقته قيادة العمليات العسكرية عن جميع الجنود السوريين المجندين في الجيش السابق في 9 كانون الأول 2024، بهدف حقن الدماء، دون استتباعه مباشرة في بناء مسار للعدالة الانتقالية، والاستعانة بمؤسسات أممية ذات خبرة للمساعدة في برامج نزع السلاح والتسريح والتأهيل، قد أسهما في تكريس الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة خلال الصراع، ما أدى إلى استسهال حمل السلاح أو إعادة حمله، ممن أجروا تسويات أو من الذين امتنعوا عن إجراء تسويات وتسليم سلاحهم، وتم تجنيد بعضهم من قبل قادة موالين للنظام السابق، وما يطلق عليهم بـ”فلول النظام”.

من جهة أخرى، فإن تراخي السلطة في إطلاق برامج العدالة الانتقالية دفع بضحايا النظام البائد للانتقام. وفي نفس الصدد، فإن الانتهاكات والمضايقات التي سبقت المجازر في آذار ضد علويين، أسهم في تأجيجها وتغذيتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لعبت دورًا في تغذية خطاب الكراهية والتحريض ضدهم، وأصبحت الانتهاكات شبه يومية بما في ذلك القتل والخطف ونهب الممتلكات واحتلالها، وازدادت الاعتقالات التعسفية والمضايقات والإهانات اللفظية وتوجيه المصطلحات المهينة خلال حملات التمشيط ونقاط التفتيش، وقد ذُكر ذلك في تقرير لجنة التحقيق الدولية.

ناهيك بذلك، فإن النهج الذي اتبعته السلطة في بناء قطاع الأمن، من حل الجيش السابق دون الاستعانة بمن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين والسوريات، واستبعاد المنشقين عنه، والغرق في وهم القدرة على بناء جيش وطني من “دمج” فصائل وأجانب وأفراد لهم تاريخ حافل بالانتهاكات، وبما في ذلك مقاتلون منضوون تحت “هيئة تحرير الشام” سابقًا، دون تدريبهم واستبعاد التكفيريين منهم ومرتكبي الانتهاكات والفصائل ذات التمويل الخارجي، تتحمل مسؤوليته السلطة وما نجم عنه من مجازر بسبب استدعائها لقوات وأفراد غير محترفين وغير منضبطين، وتصرفوا بصفتهم الرسمية.

بطبيعة الحال، ينطبق الأمر أيضًا على الطريقة التي يتم فيها بناء قوات “الأمن العام”، حيث تشير المعلومات إلى أن المتدربين يخضعون لتدريب مدته أسبوعان فقط، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان ملء الفراغ الأمني الحاصل، ووقف الانتهاكات المتنقلة والمتكررة في البلاد.

فضلًا عن ذلك، فإن الاستئثار بالسلطة والمركزية الشديدة، وإغلاق باب السياسة وتجاهل الدعوات المكثفة من أجل عقد مؤتمر وطني تأسيسي، ذي مخرجات ملزمة، وشكلية مؤتمر الحوار الوطني الذي أجرته السلطة، والإعلان الدستوري الذي كرس وحصر صلاحيات واسعة بيد الرئيس المؤقت، عززت شعورًا بإقصاء شرائح واسعة من الشعب ومكوناته وقواه الحية.

خلاصة القول، إن ترحيب السلطة المؤقتة بتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة والتعاون معها، وإطلاقها تحقيقًا مستقلًا، واعتقالها عددًا من الجناة، لا يعفيها من مسؤولية حماية جميع المواطنين والمواطنات دون تمييز، والالتزام بعدم تكرار الجرائم والانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وجبر ضرر الضحايا كأساس لبناء مستقبل مبني على حقوق الإنسان ونهج شامل للعدالة ودولة القانون.

مشاركة المقال: