عنب بلدي – ديالا البحري تقف رهام سعيد (23 عامًا) أمام واجهة محل فساتين أعراس في دمشق، وتحدق مطولًا في فستان أبيض مرصع بأحجار متلألئة. تتأمل رهام تفاصيله المبهرة، من "الطرحة الحريرية" إلى الخيوط، قبل أن تصطدم أحلامها بارتدائه في زفافها بالحقيقة المرّة، وهي أن "سعر استئجاره لليلة واحدة يبلغ مليونًا ونصف المليون ليرة سورية"، وهو مبلغ يفوق قدرتها وقدرة خطيبها.
قالت رهام لـ عنب بلدي: "مثل أي فتاة، حلمي أن أرتدي فستان زفاف جميلًا، لكن دفع مبلغ كهذا لليلة واحدة يحوّل الحلم إلى عبء ثقيل". رهام ليست حالة استثنائية، بل صورة مصغرة لواقع عشرات الشابات السوريات اللواتي يجدن أنفسهن عالقات بين فستان أحلام يحمل رمزية خاصة لكل عروس، وبين أسعار متصاعدة تجعل من هذه الرمزية تحديًا ماليًا إضافيًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
موسم الأعراس.. نشاط تجاري متأرجح
مع حلول موسم الأعراس، الذي يمتد فعليًا في دمشق من منتصف حزيران حتى نهاية أيلول، تنشط حركة محال بدلات الزفاف، إلا أن هذا النشاط يتخذ اليوم طابعًا مختلفًا، إذ يتجه الإقبال نحو الاستئجار بدل الشراء. من خلال رصد أجرته عنب بلدي في أسواق دمشق، وجدت تفاوتًا في الأسعار حسب الموقع ونوعية القماش. ففي أسواق "الحميدية" و"الحريقة"، يتراوح سعر الفستان بين مليون ونصف وخمسة ملايين ليرة، بينما يبلغ متوسط سعر الإيجار قرابة المليوني ليرة، مع تضمين "الطرحة" و"الكاب"، وأحيانًا "طقم الإكسسوار" على أن تتم إعادته بعد الحفل. أما في المزة، فتصل الأسعار إلى ذروتها، حيث يباع الفستان بثمانية ملايين ليرة، ويُؤجر بثلاثة ملايين.
كما تختلف أنواع القماش وأسلوب صنعه الذي يلعب دورًا أيضًا بتحديد السعر: "شك النول بالإبرة والخيط" الأعلى ثمنًا، وقد يتجاوز ثمانية ملايين ليرة. "الكافيار"، خيار متوسط الجودة والسعر، يتراوح بين ثلاثة وخمسة ملايين، ويعتبر الأنسب لأصحاب الإمكانيات المتوسطة. "الساتان"، الأرخص، بسعر يقارب مليونًا ونصف مليون، لكنه يفتقر لـ"البرّيق" الفاخر الذي تبحث عنه كثير من العرائس.
ولم يقتصر الغلاء على فساتين الزفاف، إذ ارتفعت أيضًا أسعار فساتين الخطوبة، التي تراوحت بين 800 ألف و2.5 مليون ليرة. ومع ذلك، يبقى الإيجار الخيار المفضل، بأسعار تبدأ من 500 ألف وتصل إلى 1.5 مليون، مما يخفف عن العروس جزءًا من النفقات المتراكمة على تجهيزات الزفاف.
تغيير يواكب الموضة
من حيث "الموديلات"، أشار أحمد الشيخ علي، تاجر فساتين في سوق "الحميدية"، إلى أن القصات الأساسية للبدلات تبقى ثابتة تقريبًا من موسم لآخر، لكن التغيير يكون في التفاصيل، التي تتمثل بإضافة لمسات من "الدانتيل"، وتعديل شكل "الطرحة"، أو اختيار ألوان لامعة أكثر أو أقل. هذه التغييرات البسيطة تمنح الفستان مظهرًا عصريًا دون الخروج عن القوالب الكلاسيكية المحببة للعروس السورية.
تفاصيل محكومة بالدقة
عملية استئجار الفستان في دمشق تخضع لنظام واضح ومنظم، يبدأ بحجز مسبق، ثم تجربة الفستان قبل أيام من الحفل، وتسليمه قبل المناسبة بيومين، على أن تتم إعادته بعد خمسة أيام. ولضمان الحقوق، يطلب البائع رهنًا، عادة ما يكون بطاقة شخصية أو دفتر عائلة.
قال أحمد الشيخ علي، إن هذه الإجراءات لا تمنع من ظهور مشكلات، مثل إلغاء الحجز بعد دفع العربون والمطالبة باستعادته من قبل الزبونة، أو إعادة الفستان بحالة سيئة، ما يكبد التاجر خسائر مباشرة، كما أن بعض الزبونات يطلبن فساتين "جديدة تمامًا" مقابل نفس إيجار بدلة سبق أن تم ارتداؤها، وهو ما يراه أصحاب المحال طلبًا غير واقعي.
الإيجار لم يعد عيبًا
في الماضي، كان شراء فستان الزفاف تقليدًا ثابتًا، حيث تحتفظ به العروس كذكرى أبدية في خزانة منزلها، لكن الظروف الاقتصادية اليوم فرضت تحولًا ملحوظًا نحو الإيجار، وهو خيار لم يعد يحمل الوصمة الاجتماعية التي كانت تلازمه.
قالت فاطمة عبد الواحد (27 عامًا)، وهي مقبلة على الزواج: "كانت أمي تروي بفخر كيف اشترت فستانها واحتفظت به، إذ إن استئجار الفستان كان أمرًا معيبًا في وقتها". وأضافت: "اليوم الوضع مختلف، لم يعد استئجار فستان الزفاف عيبًا، ولا يمكن أن أدفع مبلغًا ضخمًا لشيء لن أرتديه سوى ساعات قليلة، الأفضل أن أستأجر فستانًا مناسبًا وأوفر المبلغ لشراء أشياء أكثر أهمية".
تصاميم خاصة
رغم التوجه العام نحو الإيجار، لا تزال بعض الفتيات يفضلن تصميمًا خاصًا ومتفردًا لبدلة الزفاف، وهو ما يؤكده همام ملص تاجر بدلات أعراس ويتعامل مع مصممين.
قال ملص، إن هناك طلبًا متزايدًا من قبل بعض الزبونات لتصميم بدلة حسب رغباتهن الخاصة، وغالبًا ما يكون هذا التوجه من قبل فتيات ميسورات الحال، لافتًا إلى أن تكلفة التصميم يمكن أن تصل إلى 80 مليون ليرة سورية، حسب المصمم ونوعية قماش الفستان وتفاصيله.
رغم الضغوط الاقتصادية وغلاء المعيشة، لا يزال فستان الزفاف يحتفظ بمكانته كرمز لا غنى عنه في حياة العروس، لكن هذا الرمز، الذي كان في السابق بمتناول معظم المقبلات على الزواج، أصبح اليوم حلمًا مكلفًا، يفرض على العروسين إعادة التفكير في كيفية الحصول عليه.