الأحد, 17 أغسطس 2025 07:53 PM

واشنطن ترفع الرسوم الجمركية على الواردات السورية: ما الدلالات والتداعيات؟

واشنطن ترفع الرسوم الجمركية على الواردات السورية: ما الدلالات والتداعيات؟

تصدرت سوريا قائمة الدول التي شملتها الزيادة في الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 31 تموز الماضي. وتضم القائمة عشرات الدول التي ترى الولايات المتحدة أن ميزانها التجاري يميل لصالحها.

فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية تصل إلى 41% على الواردات من سوريا، لتصبح الأخيرة الدولة الأكثر استهدافًا بالرسوم الأمريكية على مستوى العالم، متجاوزةً حتى الدول التي تخوض معها واشنطن نزاعات تجارية طويلة الأمد مثل الصين وكندا والمكسيك.

أوضح البيت الأبيض في بيان أن الرسوم الجمركية الجديدة تتراوح بين 10 و41%، وتطبق على الدول التي لم تبرم اتفاقيات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، وقد دخلت هذه الرسوم حيز التنفيذ في 7 آب الحالي.

وسيلة ضغط

أثار قرار فرض الرسوم الجمركية على المستوردات السورية في أمريكا استغراب خبراء وأكاديميين اقتصاديين، معتبرين إياه انعكاسًا لرغبة واشنطن في تبني سياسة "حمائية" تجاه المنتجات السورية، وذلك على الرغم من التحولات السياسية الأخيرة في دمشق وتحسن العلاقات بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية إثر لقاء الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع نظيره ترامب في الرياض في أيار الماضي.

أوضح الدكتور عبد الرحمن محمد، الخبير الاقتصادي ونائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة "حماة"، أن فرض رسوم جمركية بنسبة 41% على الواردات السورية يمثل تصعيدًا اقتصاديًا بأبعاد متعددة:

  • اقتصاديًا: يعكس القرار اختلال الميزان التجاري بين سوريا وأمريكا، ويساهم في منع توسع الصادرات السورية، خاصة في ظل مساعي دمشق لإعادة الإعمار والاندماج الاقتصادي العالمي.
  • سياسيًا: على الرغم من تحسن العلاقات بين البلدين ورفع العقوبات الأمريكية، قد تكون هذه الرسوم وسيلة ضغط اقتصادي، أو رد فعل على السياسات الجمركية السورية التي تفرض رسومًا مرتفعة على المنتجات الأمريكية.
  • رمزيًا: باعتبارها الأعلى عالميًا، تبعث الرسوم برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال تتبع نهجًا صارمًا تجاه سوريا، على الرغم من التحولات السياسية الأخيرة.

لا رغبة بالتبادل التجاري مع دمشق

يرى الدكتور مجدي الجاموس، الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة "دمشق"، أن القرار يعكس عدم وجود رغبة حالية أو مستقبلية في التبادل التجاري الأمريكي مع سوريا، وذلك على الرغم من قلة الصادرات السورية إلى أمريكا وحجمها.

ويعتقد الجاموس أن هذه الرسوم تهدف إلى تقليل أي منفذ اقتصادي يمكن أن تستفيد منه دمشق، ومنع أي محاولة مستقبلية لتوسيع التبادل التجاري.

من جانبه، اعتبر الدكتور عبد الرحمن محمد أن فرض سوريا رسومًا مرتفعة على المنتجات الأمريكية قد دفع الأخيرة للرد بالمثل، على الرغم من أن السوق السوري أقل أهمية بالنسبة لأمريكا مقارنة بالسوق الأمريكي بالنسبة لسوريا. ويرى أن هذه الرسوم تستخدم كأداة لحماية الصناعات المحلية الأمريكية من المنافسة الخارجية، حتى لو كانت من دول ذات حجم تجارة صغير مثل سوريا.

في المقابل، رجح الدكتور مجدي الجاموس أن تكون الرسوم ورقة ضغط على الحكومة السورية لتحقيق واشنطن لمآربها أو رغبتها في الحصول على بعض المكاسب السياسية، بينما يرى أن الجانب الاقتصادي يتعلق بعدم الرغبة في ازدياد حجم التبادل التجاري بين واشنطن ودمشق، أي أن سوريا ليست ضمن مخططها للتبادل التجاري.

زيادة التبادل.. أرقام هزيلة

وفقًا لإحصائية مؤسسة "OEC" الأمريكية، بلغت صادرات سوريا من الولايات المتحدة في حزيران الماضي 736,000 دولار أمريكي، بينما بلغت المستوردات 471,000 دولار أمريكي، مما أدى إلى ميزان تجاري إيجابي قدره 265,000 دولار أمريكي.

وبمقارنة حزيران 2024 وحزيران 2025، أوضحت المؤسسة أن صادرات سوريا إلى الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 459,000 دولار أمريكي (165%)، من 277,000 دولار أمريكي إلى 736,000 دولار أمريكي، بينما ارتفعت الواردات بمقدار 316,000 دولار أمريكي (204%) من 155,000 دولار أمريكي إلى 471,000 دولار أمريكي.

وفي عام 2023، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين سوريا وأمريكا حوالي 13 مليون دولار، حيث صدّرت سوريا لأمريكا بقيمة 11.3 مليون دولار، واستوردت منها بقيمة 1.29 مليون دولار فقط، مما عكس فائضًا تجاريًا لصالح سوريا.

وذكر الخبيران الجاموس وعبد الرحمن أن الواردات السورية من أمريكا تشمل المواد الكيماوية والدوائية والمستلزمات الطبية، والسلع الغذائية المُعلبة مثل أغذية الأطفال والمكملات الغذائية، والمواد البلاستيكية والورقية، والعصائر والمشروبات الجاهزة. أما الصادرات السورية إلى أمريكا فتتضمن البذور الزراعية وأهمها التوابل، ومنتجات صناعية صغيرة ومتوسطة، وبعض السلع الزراعية الأخرى مثل الفستق الحلبي، وزيت الزيتون، وحجر البناء، وبعض القطع النحاسية والزخارف.

انعكاسات على الاقتصاد السوري

يرى الدكتور مجدي الجاموس أن الاقتصاد السوري ضعيف في الوقت الحالي، ويتأثر برفع الرسوم الجمركية الأمريكية من خلال انعكاس القرار على مجموعة من التجار والأفراد القائمين على عمليتي الاستيراد والتصدير بين سوريا وأمريكا، ويرى أن ذلك يدل على عدم الرغبة في أن يكون هناك دور لأمريكا في الاقتصاد السوري وإعادة إعمار الاقتصاد الوطني.

بينما أوضح الدكتور عبد الرحمن محمد أن الرسوم الجمركية بنسبة 41% لها تأثيرات سلبية واضحة على الاقتصاد السوري، تتمثل في:

  • تقييد الصادرات: الرسوم تغلق الباب أمام توسع الصادرات السورية إلى السوق الأمريكي، مما يضعف قدرة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق إيرادات بالدولار.
  • زيادة العزلة الاقتصادية: القرار يعزز عزلة سوريا اقتصاديًا، ويعرقل جهود إعادة الإعمار، مما يدفعها للبحث عن أسواق بديلة مثل دول الخليج وتركيا.
  • ارتفاع التكاليف: ارتفاع الرسوم يزيد من تكلفة المنتجات السورية في السوق الأمريكي، مما يقلل من تنافسيتها ويضعف الطلب عليها.
  • ضغط على الاقتصاد المحلي: في ظل محاولات سوريا للخروج من آثار الحرب، تضيف هذه الرسوم عبئًا إضافيًا إلى الاقتصاد، مما يعوق النمو الاقتصادي.

وكانت واشنطن قد فرضت، في 2 نيسان الماضي، رسومًا جمركية على البضائع التي يتم تصديرها من أمريكا إلى سوريا بنسبة 41%، كما بلغت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تأتي من سوريا إلى أمريكا 81%.

مشاركة المقال: