الخميس, 14 أغسطس 2025 10:07 PM

اتفاق عسكري بين سوريا وتركيا: هل ينجح في تجاوز العقبات والتحديات الراهنة؟

اتفاق عسكري بين سوريا وتركيا: هل ينجح في تجاوز العقبات والتحديات الراهنة؟

وقعت دمشق وأنقرة اتفاقية للتدريب والاستشارات بين وزارتي الدفاع في البلدين، وذلك في ظل تصاعد التوترات بشأن ملف "قسد" في شمال شرق سوريا، بعد تعثر المفاوضات المتعلقة بهذا الملف.

الاتفاقية، التي تم توقيعها يوم الأربعاء الموافق 13 آب، تتضمن دورات تدريبية وبرامج ومساعدات فنية تهدف إلى تعزيز وتطوير قدرات الجيش السوري. ووفقًا لوكالة "سانا" الرسمية، تأتي هذه الاتفاقية في إطار جهود تطوير الجيش السوري من خلال تدريب عناصره وفقًا للمعايير الدولية، مما يهدف إلى الحد من الانتهاكات التي قد ترتكبها الفصائل غير المدربة.

وتضمنت الاتفاقية، بحسب "سانا":

  • التبادل المنتظم للأفراد العسكريين: للمشاركة في دورات تدريبية متخصصة تهدف إلى رفع الجاهزية العملياتية وتعزيز القدرة على العمل المشترك.
  • تدريب على المهارات المتخصصة: برامج في مجالات مكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، والدفاع السيبراني، والهندسة العسكرية، واللوجستيات، وعمليات حفظ السلام، وفقًا لأفضل الممارسات الدولية.
  • مساعدة فنية: إرسال خبراء مختصين لدعم عملية تحديث الأنظمة العسكرية والهياكل التنظيمية وقدرات القيادة.

يرى الباحث في مركز "عمران" للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، محسن المصطفى، أن توقيع الاتفاقية يعكس تحولًا في مقاربة أنقرة للعلاقة مع دمشق. وأوضح المصطفى في حديث لعنب بلدي أن أنقرة تنتقل من دعم بعض فصائل المعارضة إلى شراكة مؤسساتية مع الدولة السورية، مما يؤسس لمنحى جديد في العلاقات بين البلدين.

ويتوقع المصطفى أن تسهم الاتفاقية في تعزيز موقع الحكومة السورية في ضبط الأمن والتوازنات الداخلية، ضمن رؤية مشتركة لإعادة بناء المؤسسات العسكرية.

وفي 14 آب، جددت وزارة الدفاع التركية دعمها لوحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، وأكدت أهمية دعوات الحكومة السورية إلى "دولة واحدة وجيش واحد"، وفقًا لما نقلته وكالة "الأناضول" التركية عن مصادر في الوزارة. وأوضحت المصادر أن المذكرة تشكل استمرارًا للإرادة التركية في دعم سوريا في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية.

ويرى محسن المصطفى أن إمكانية التحول إلى اتفاق دفاع مشترك بين سوريا وتركيا "محدودة الاحتمال" في المدى المنظور، على الرغم من توافر الإرادة السياسية لدى الطرفين ووجود "تهديدات أمنية مشتركة".

ويواجه توقيع اتفاق دفاع مشترك بين سوريا وتركيا عدة عقبات، أبرزها هشاشة البنية القانونية للدولة السورية، والتحفظ الدولي تجاه أي شراكة عسكرية طويلة الأمد قد تفاقم التوتر مع إسرائيل، وتوسع النفوذ التركي بما يتجاوز التفاهمات السابقة، خاصة أن أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي.

وكانت قناة "الشرق" السعودية قد نقلت عن مصادر سورية مطلعة أن نقاشات متقدمة جرت بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارة الشرع إلى أنقرة في 24 أيار الماضي، تناولت بنود اتفاقية دفاع مشترك هي الأولى بين البلدين، وذلك في أول تحرك استراتيجي معلن منذ الإطاحة بنظام الأسد في كانون الأول 2024. وأشارت المصادر إلى أن الاتفاق المرتقب يأتي لتمهيد الطريق نحو إنشاء قواعد عسكرية تركية، من خلال مراحل متتالية تبدأ بإنشاء بنية عسكرية لتدريب الجيش السوري الجديد، على أن لا يتم إقامة القواعد التركية عبر إعلان مباشر كما كان يجري الترتيب له سابقًا قبل الضربات الإسرائيلية لمطار "التيفور" و"الشعيرات" في 21 آذار الماضي.

ووفقًا للمصادر، يهدف الاتفاق إلى تخفيف التصعيد، وذلك في إطار تفاهمات جرت حينها مع عدة أطراف، وشملت أيضًا تنسيقًا بين أنقرة وموسكو بهذا الخصوص. وعقد الشرع وأردوغان لقاء مغلقًا أمام وسائل الإعلام ولم يصدر أي تصريح حول المحادثات حينها، حيث اكتفت الرئاسة السورية بالقول إن الرئيسين بحثا "عددًا من الملفات المشتركة".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر بوزارة الدفاع التركية قوله إن بلاده ستزود سوريا بأنظمة أسلحة ووسائل لوجستية بموجب اتفاق التعاون العسكري الذي جرى توقيعه أمس، مضيفًا أن أنقرة ستدرب الجيش السوري أيضًا على استخدام هذه المعدات إذا "لزم الأمر". وتستهدف المذكرة، بحسب المصدر، التنسيق والتخطيط للتدريب والتعاون العسكري وتقديم الاستشارات وتبادل المعلومات والخبرات وضمان شراء المعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة والمواد اللوجستية والخدمات ذات الصلة.

ويعتقد الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، محسن المصطفى، أن الأسلحة والمعدات المتوقع أن تقدمها أنقرة لدمشق تشمل أنظمة دعم لوجستي، ومدرعات خفيفة، وتقنيات مراقبة واتصال، وربما دعمًا دفاعيًا جويًا محدودًا. ورغم أنها قد تسهم في رفع كفاءة الجيش السوري تدريجيًا، لا سيما في مناطق السيطرة المستقرة، لا يعتقد المصطفى أن تحدث "تغييرًا جذريًا" في موازين القوى الإقليمية، ما "لم تُرفق بتغطية جوية أو بأنظمة نوعية متطورة"، وهو ما لم يُلمّح إليه حتى الآن، وفق الباحث في مركز "عمران".

وحتى إن تم ذلك (تزويد سوريا بأنظمة دفاع جوي متطورة)، فإن تغيير المعادلات يتجاوز مجرد حيازة الأسلحة، ليشمل السياق السياسي والعملياتي المحيط بها، كما يرى محسن المصطفى.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن مصادر مطلعة لم يسمها، في نيسان الماضي، أن تركيا تستعد لبناء قاعدة دفاع جوي بمطار "التيفور" العسكري بالقرب من تدمر في حمص وسط سوريا. وتهدف أنقرة من بناء القاعدة، وفق الموقع، لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" وردع الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا. ووفق المصادر، ستنشر منظومة دفاع جوي في مطار "T4" من نوع "حصار" لتوفير الغطاء الجوي للقاعدة، التي ستساعد تركيا على ترسيخ السيطرة الجوية على المنطقة ودعم جهودها في مكافحة تنظيم "الدولة" الذي لا يزال لديه خلايا تنشط في البادية السورية. كما تهدف أنقرة إلى إنشاء نظام دفاع جوي متعدد الطبقات في القاعدة وحولها، بقدرات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى ضد مجموعة متنوعة من التهديدات، من الطائرات النفاثة إلى الطائرات دون طيار إلى الصواريخ. وأشار الموقع إلى أن وجود أنظمة الدفاع الجوي والطائرات دون طيار التركية من المرجح أن تردع إسرائيل عن شن ضربات جوية في المنطقة.

تلوح دمشق وأنقرة بالتصعيد في ملف "قسد" في شمال شرقي سوريا بعد تعثر المفاوضات. وسبق توقيع الاتفاقية بين وزارتي الدفاع في سوريا وتركيا، لقاء جمع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بنظيره التركي، هاكان فيدان. وتناول اللقاء مسار العملية السياسية في سوريا، وملفات أمنية أبرزها نشاط حزب "العمال الكردستاني" و"قسد" شمال شرقي سوريا، إلى جانب الأوضاع الميدانية في محافظة السويداء، بحسب وكالة "الأناضول" التركية.

وحذر فيدان، في مؤتمر صحفي مشترك مع الشيباني، من أن غياب تلبية المطالب الأمنية لتركيا في سوريا يجعل "الحفاظ على الهدوء أمرًا مستحيلًا"، داعيًا "قسد" إلى وقف "التهديدات المباشرة لتركيا والمنطقة". بينما حذر الشيباني من "محاولات تقسيم البلاد على أسس طائفية وأيديولوجية"، وأكد التزام حكومته بالعمل من أجل الاستقرار عبر الحوار مع مختلف المكونات.

ويرى الباحث في مركز "عمران" محسن المصطفى، أن الخطاب الموجه لـ"قسد" لا يعني تحييد ملف السويداء أو تجاهل التهديدات الإسرائيلية، بل يعكس أولوية تركية تركز على منع "قسد" من فرض واقع سياسي- عسكري منفصل، على حد تعبيره. وقد بقي ملف السويداء خارج أولويات الاتفاقية، لأسباب ديمغرافية وسياسية، بحسب المصطفى الذي يرى أن "الجبهة مع إسرائيل" تبقى خاضعة لحسابات إقليمية معقدة لم يشملها الاتفاق، لا تأييدًا ولا رفضًا، ما يعكس، بحسب اعتقاد المصطفى، "رغبة تركية في تجنب التصعيد المباشر على تلك الجبهة".

وبالنسبة لإسرائيل، فهي تشعر بالقلق من ظهور "حكومة إسلامية متطرفة"، ومن "النفوذ التركي المفرط في سوريا"، وفق السفير الإسرائيلي السابق، مايكل هراري. ويرى هواري في مقال له على مجلة "المجلة" أنه ومع اعتراف إسرائيل بالدور التركي، وتدخله "الحازم" في شمالي سوريا، ولا سيما في مناطق السيطرة الكردية، فإن تل أبيب قد رسمت كما يبدو "خطًا أحمر" تجاه الوجود العسكري التركي في أجزاء أخرى من البلاد. وفي المقابل، كما يقول السفير الإسرائيلي، ترى تركيا أن أمامها "فرصة تاريخية لتثبيت استقرار حدودها مع سوريا وبشروطها الخاصة، خصوصًا تجاه قضية الكرد بمن فيهم "حزب العمال الكردستاني"، و"تعزز في الوقت نفسه من اعتماد نظام الشرع عليها"، على حد تعبيره.

ويرى هواري إنه على الرغم مما أظهرته إسرائيل من تفوق عسكري وتقني، لا ترى تركيا "عائقًا" أمامها، وتجد أن اللحظة الراهنة هي فرصتها الذهبية كي تعزز مكانتها الإقليمية.

مشاركة المقال: