الخميس, 14 أغسطس 2025 01:35 PM

هل تنجح المفاوضات السرية بين دمشق وتل أبيب في تحقيق السلام؟

هل تنجح المفاوضات السرية بين دمشق وتل أبيب في تحقيق السلام؟

أحمد العثمان – نورث برس

لم يعد الحديث عن التطبيع مع إسرائيل من المحظورات في سوريا، حيث تدرك تل أبيب أن انشغال السوريين بأزماتهم الأمنية والمعيشية يجعل رفض التطبيع أمراً ثانوياً بالنسبة لأولوياتهم اليومية. على الرغم من الخلافات العميقة بين السوريين حول مستقبل بلادهم، إلا أن فكرة التطبيع لم تعد كما كانت في السابق، بل تحظى بقبول متزايد، حتى وإن كان هذا القبول مُراً ولا يعكس بالضرورة رغبة حقيقية في سلام دبلوماسي مع دولة لم تُعرف بميلها للسلم في التاريخ السوري.

بينما تتداول تقارير عن لقاءات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف منع التصعيد العسكري، خاصة مع استمرار الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، يرى خبراء أن دمشق لن تبدأ مفاوضات نهائية حول الانضمام إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" دون ضمانات إسرائيلية بالانسحاب من الأراضي المحتلة بعد عام 2011 ووقف الاعتداءات، مع الإبقاء على الجولان كأرض سورية حتى لو تم تأجيرها لإسرائيل.

في سياق متصل، أثار اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره الإسرائيلي رون ديرمر في باريس ردود فعل متباينة، بين منتقد للازدواجية في التعامل مع الملف، ومتفائل بإمكانية خفض التصعيد، فيما وصفه الموفد الأميركي توم براك بـ"خطوة نحو الحوار"، رأى آخرون أنه تنازل غير مبرر، خاصة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية.

بينما يرى البعض أن الظروف الاقتصادية والأمنية قد تدفع سوريا نحو تسوية تاريخية، يؤكد آخرون أن إسرائيل لن تمنح سلاماً حقيقياً، بل ستستغل الضعف السوري لفرض شروطها. فهل التطبيع بات وشيكاً أم أن التاريخ يعيد نفسه بوجه جديد؟ السوريون منقسمون، لكن القرار قد لا يكون بأيديهم هذه المرة.

حديث مبكر

يقول غسان يوسف، المحلل السياسي، إن الحديث عن التطبيع بين دمشق وتل أبيب لا يزال مبكراً، في ظل التباعد الكبير بين الطرفين، على الرغم من الاجتماعات السرية المعلن عنها وتلك التي لم يُعلن عنها. ويشير إلى أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يصرحون في السابق بدعمهم للسلام، ثم عارضوه لاحقاً، خاصة بعد أحداث السويداء.

ويضيف في تصريحات لنورث برس، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع للانضمام إلى اتفاقات إبراهام، في حين أن دمشق لا تزال تتحفظ على الأمر وتحاول التوصل إلى اتفاق أمني، خاصة بعد رفع إسرائيل لسقف مفاوضاتها وتوغلها في الأراضي السورية.

ويوضح أن التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، لا سيما جبل الشيخ، تعد من أكبر العوائق التي تعيق تقدم المحادثات بين دمشق وتل أبيب، حيث تبحث الحكومة السورية، في ظل مناخ دولي داعم للمفاوضات، لا سيما من الولايات المتحدة والسعودية، عن خروج إسرائيل من الأراضي السورية والعودة إلى اتفاقية 1974 التي أنهت تل أبيب العمل بها منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد.

ويشدد يوسف على أن هدف الحكومة السورية والوفد المفاوض يجب أن يكون استعادة الأراضي والمطالبة بالجولان السوري المحتل. "إلا أن ذلك يصطدم برغبة إسرائيل في احتلال المزيد من الأراضي السورية وإبقاء سوريا ضعيفة لتكون جبهتها هادئة وتضمن بذلك عدم مقاومة في حال رغبتها بالمزيد من التوسع".

ويرى أن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان الذي باتت تعتبره من أراضيها، وبالعودة إلى عام 1994، كانت هناك مفاوضات أقرت بها إسرائيل أنها ستنسحب من الجولان وتوقع اتفاق سلام مع حافظ الأسد عبر ما يسمى وثيقة رابين، الذي قُتل حينها في سابقة من نوعها كأول سياسي إسرائيلي يُقتل على يد إسرائيلي آخر لتعطيل الانسحاب من الجولان.

"إسرائيل تبحث عن المزيد"

يرى أشرف عكة، المحلل السياسي، أن المفاوضات بين دمشق وتل أبيب تتجه نحو تطبيع العلاقات، على الرغم من أن الحكومة السورية تحاول في الوقت الحالي إجراء اتفاق أمني، لكن الإسرائيليين والأميركان يبحثون ويسعون لتوقيع اتفاق سلام وتطبيع العلاقة مع سوريا.

ويضيف أن الحكومة السورية تحاول العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في عام 1974 وانسحاب إسرائيل من جنوبي البلاد وضمان عدم توغلها، لكن إسرائيل تقوم في الوقت الحالي بالتدخل في الشؤون السورية عبر ما تسميه محاولة إبعاد "الإرهابيين" من الجيش السوري، ما يضع المفاوضات في مأزق، في ظل نية حقيقية من جانب واشنطن وتل أبيب بالسيطرة على الموقف السوري ودون ردود على التدخلات الإسرائيلية وتوغلاتها.

ويشير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تبحثان عن اعتراف من الحكومة السورية بالتخلي عن المطالبة بالجولان السوري المحتل، لذا دعمت واشنطن دمشق في مجال رفع العقوبات وأبدت خطوات جدية في هذا الإطار مقابل عدم المطالبة بالجولان وإحراز تقدم في مجال مفاوضات التطبيع بين دمشق وتل أبيب.

ويقول عكة إن "الرؤية الأميركية الإسرائيلية تتعارض مع موقف الشعب السوري الذي يبحث عن جميع حقوقه وأراضيه لا سيما الجولان والانسحاب من جنوبي سوريا، كما يجب ألا يتعارض الموقف الرسمي السوري واتجاهه في المفاوضات مع المبادرة العربية التي تربط السلام مع إسرائيل بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وأي موقف آخر من دمشق سيعرضها لانتقادات".

ويشير إلى أن واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى استغلال ضعف سوريا لإجبارها على توقيع اتفاق سلام لكن الأمر لن ينجح، في ظل وجود تركيا، ثم إن نجاح أي اتفاق يقاس بالقضية الفلسطينية.

مضيفاً أن "إسرائيل ترى بأنها حققت شيئاً في سوريا وتحاول أن تجعلها تحت وصايتها".

تحرير: تيسير محمد

مشاركة المقال: