في مدينة حمص التي لا تزال آثار الحرب واضحة على مبانيها وسكانها، استطاعت الشابة السورية دولت الخليل أن تحول الألم والخوف إلى فن ينبض بالحياة. تمزج دولت بين التصميم الحديث وفن الخط العربي لتقديم رسائل فنية تعبر عن الجمال، الوطن، والهوية.
دولت الخليل، خريجة الاقتصاد والعلوم المالية والمصرفية، درست أيضاً الأدب الإنجليزي حتى السنة الثالثة، لكن شغفها بالأزياء قادها إلى دراسة التصميم عبر الإنترنت. منذ صغرها، كانت دولت تميل إلى تعديل ملابسها لتجعلها فريدة وتعكس شخصيتها، هذه الموهبة تحولت قبل تسع سنوات إلى مهنة متكاملة.
تقول دولت لـ "سوريا 24": "الظروف القاسية للحرب دفعتني إلى الفن كعلاج نفسي من الخوف والضغط والحزن. بدأت بالرسم على الملابس، ولاقت أعمالي إعجاباً كبيراً، خاصة من السوريين المغتربين. ثم انتقلت لاحقاً لتصميم قطع خاصة تُفصل لكل زبون حسب شخصيته وذوقه".
على الرغم من أن دولت ليست خطاطة محترفة، إلا أنها وظفت الخط العربي ببراعة في تصاميمها، مستفيدة من قيمته الثقافية ودلالته على الهوية العربية الأصيلة. تختار دولت كلمات وأبيات شعرية عن الجمال والوطن، وتدمجها مع عناصر من التراث السوري، مثل الياسمين الشامي، زهرة القطن، الزخارف الهندسية، وفن القيشاني الدمشقي. وتضيف: "أردت أن تكون تصاميمي أكثر من مجرد قيمة بصرية، بل رسائل مؤثرة".
بدأ مشروع دولت في مرسم منزلي صغير، وواجه تحديات كبيرة، مثل صعوبة الحصول على المواد المستوردة بأسعار مرتفعة بسبب الحصار الاقتصادي، ومشاكل الشحن إلى الخارج، وانقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى فترات الركود الاقتصادي. ومع ذلك، بقيت دولت في حمص حتى خلال أوقات القصف والحصار، وكانت ترسم مباشرة على القماش باستخدام فرش وألوان خاصة، متمسكة بحلمها.
تتميز أعمال دولت بتحقيق الانسجام بين الطابع العصري والروح الشرقية في كل تصميم، دون أن يطغى أحدهما على الآخر. وترى أن إضافة الخط العربي إلى الملابس الرسمية يتطلب دقة وتخطيطاً حتى لا يتحول العمل إلى مجرد شعار، بل إلى قطعة فنية متكاملة.
تواصل دولت الخليل عملها اليوم من حمص، مؤكدة على رسالتها الفنية التي تعتبرها جسراً بين الماضي والحاضر، ونافذة لتعريف العالم بجماليات التراث السوري والعربي، من خلال أقمشة تحكي قصص الوطن. قصة دولت ليست مجرد قصة شخصية، بل هي انعكاس لقصص آلاف السوريين الذين حولوا الألم إلى فن، والخراب إلى فرص للإبداع، متمسكين بهويتهم وجذورهم في مواجهة الصعاب. ففي كل قطعة تصممها، ينبض قلب سوريا ويصل صداه إلى العالم، ليؤكد أن الجمال يمكن أن يولد حتى من قلب الدمار.