الإثنين, 11 أغسطس 2025 11:59 PM

السينما السورية: تحديات تجارية ورقابة تحد من جاذبيتها وتأثيرها

السينما السورية: تحديات تجارية ورقابة تحد من جاذبيتها وتأثيرها

تعتبر السينما، وفقًا لما أورده عنب بلدي عن أمير حقوق، وسيلة فنية بارزة تعكس تاريخ المجتمعات وتوثق أحداثها، وتسهم في بناء هويتها الثقافية، وتؤثر في الرأي العام وتشكيل المواقف تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية. إلا أن القطاع السينمائي في سوريا يمثل نموذجًا ضعيفًا مقارنة بدول عربية أخرى مثل مصر ولبنان، خاصة في السنوات الأخيرة، على الرغم من بعض المحاولات.

غير مغرية تجاريًا

على الرغم من نجاح بعض الأفلام، لم تنجح السينما السورية في فرض نفسها في السينما العربية بسبب غياب أساسيات الإنتاج وعوامل التقدم والتطوير. يرى الناقد الفني عامر عامر أن ذلك يعود إلى غياب صناعة سينمائية حقيقية، ويتجسد ذلك في غياب القطاع الخاص عن الإنتاج السينمائي، على عكس مصر أو لبنان. لم تتشكل في سوريا سوق حقيقية للإنتاج السينمائي الخاص، بالإضافة إلى الرقابة الصارمة والتوجه الأيديولوجي. كانت معظم الأفلام تخضع لرقابة مشددة تقصي الأفكار الجريئة وتفرض سرديات سياسية معينة، مما أفقدها الحرية والتنوع، ودفع العديد من المخرجين الموهوبين إلى الصمت أو العمل خارج البلاد.

يضاف إلى ذلك ندرة دور العرض وتدهورها، مما أدى إلى انفصال الجمهور عن السينما السورية، التي أصبحت حكرًا على العروض الرسمية والمهرجانات، بالتوازي مع انعدام التوزيع في العالم العربي. لا يوجد نظام توزيع عربي مشترك قادر على إيصال الفيلم السوري إلى الجمهور العربي كما يحصل مع السينما المصرية أو المغربية مؤخرًا.

أوضح الناقد الفني عامر لعنب بلدي أن الفيلم السوري ليس ترفيهيًا، إذ يحمل طابعًا فلسفيًا سياسيًا أو حزينًا، ويعالج مواضيع الحرب أو الألم، مما يجعله غير مغرٍ تجاريًا. ينجذب الجمهور العربي العام أكثر إلى الكوميديا والدراما الرومانسية أو "الأكشن"، وهي أنماط لم تنتجها السينما السورية بشكل كافٍ، مع تهميش الدولة للاستثمار بجدية في قطاع السينما كقوة ناعمة وطنية، وهجرة الكفاءات السينمائية منذ بدء أحداث الثورة.

استحواذ درامي على السينما

على النقيض من ذلك، شهدت الدراما السورية تطورًا ملحوظًا، وأصبحت من أكبر وأبرز الصناعات الثقافية في البلاد، حيث وصلت إلى جمهور واسع، وأنتجت أعمالًا ذات جودة عالية، وتناولت قضايا اجتماعية وسياسية بطريقة فنية مبدعة، وهو ما تفتقده السينما.

يعزو الناقد الفني عامر عامر ذلك إلى الدعم المؤسسي والتمويل المتوفر للمسلسلات، خاصة من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، بالإضافة إلى تعاون شركات إنتاج خاصة. أما السينما، فكانت تعاني من قلة التمويل، وكانت المؤسسة العامة للسينما الجهة الوحيدة التي تنتج الأفلام، وغالبًا بإنتاج محدود وبطيء. المسلسلات تصل إلى الجميع بينما السينما لا.

وتابع أن الموسم الرمضاني فرصة ذهبية للدراما، لأنه أصبح تقليدًا سنويًا لعرض المسلسلات، مما جعل شركات الإنتاج تتسابق لإنتاج أعمال ضخمة في هذا الموسم، وضاعف من الاهتمام بالدراما، بينما بقيت السينما نخبوية ومحدودة الانتشار. يتوازى ذلك مع طبيعة المجتمع المحافظ وتأثيره، حيث كانت ترى العديد من الأسر السورية في السينما شيئًا "غير مناسب".

وتحدث عن هجرة الكفاءات السينمائية إلى التلفزيون بسبب قلة الفرص في السينما، حيث توجه معظم المخرجين والكتاب والممثلين نحو المسلسلات، التي صارت الميدان الأساسي للإبداع الفني.

من سينما خاضعة إلى مستقلة

لم تصل السينما في سوريا إلى مستوى النضوج والتفوق الذي حققته بعض الدول العربية. يتطلب القطاع السينمائي عدة أولويات وأمور لإعادة إنعاش السينما ورسم ملامح تضعها في خارطة هذا الفن عربيًا.

يعتقد الناقد عامر أن السينما السورية بحاجة إلى التحرر من القبضة الرسمية والرقابة، فالحرية في التعبير والإبداع لا يمكن أن تكون مع رقابة خانقة. بذلك يمكن الانتقال من سينما خاضعة "لمزاج المؤسسة" إلى سينما مستقلة تنبع من المجتمع وتخاطبه بصدق، وتوفير الدعم والتمويل خارج القنوات التقليدية من أجل إنتاج حقيقي من داخل الدولة أو من خلال صناديق ثقافية مستقلة، وبناء بنية تحتية حديثة لصناعة سينمائية، إذ لا يمكن لسينما أن تنمو من دون وجود صالات عرض مجهزة، ومدارس للسينما والتقنيات البصرية، ومراكز إنتاج، وسوق توزيع حقيقية.

تفرض السينما حاجتها إلى تشبيك حقيقي مع العالم العربي والدولي، وتحتاج إلى فرص تعاون عربي مشترك مع لبنان ومصر وتونس والمغرب والخليج. يجب الاعتراف بالسينما كجزء من الهوية الثقافية السورية، عبر تحولها من اعتبارها "زينة ثقافية" إلى رافعة فكرية وفنية تعكس صوت السوريين وتجاربهم.

كما تحتاج إلى إطلاق برامج تدريب وتأهيل للكفاءات الشابة، فالسينما السورية اليوم تعاني من هجرة الكوادر القديمة ونقص في كوادر الجيل الجديد، وإعادة ربط السينما بالناس عبر إخراجها من دائرة النخبة والمهرجانات، لتخاطب الناس البسطاء أيضًا، فهي بحاجة إلى أن تعود وسيلة للترفيه والتفكير والنقاش العام، لا أن تبقى محصورة في دوائر مغلقة.

السينما السورية بحاجة إلى أن تعود وسيلة للترفيه والتفكير والنقاش العام، لا أن تبقى محصورة في دوائر مغلقة. عامر عامر ناقد فني

ولا تزال السينما السورية، من حيث البنية والتأهيل، في مراحلها الأولى نسبيًا مقارنة بالدراما، ولكنها تحمل إمكانيات طموحة ورؤى مستقبلية إذا ما توفر لها الدعم والحرية والتقنيات الحديثة. النضوج الحقيقي لن يأتي إلا بفتح المجال أمام الإبداع والتسهيل من إجراءات الإنتاج وتشجيع الجيل الجديد من السينمائيين، لتتمكن سوريا من تسخير السينما كوسيلة تعبير قوية تعكس تاريخها وواقعها وطموحاتها المستقبلية.

مشاركة المقال: