الأحد, 27 يوليو 2025 09:25 AM

غسان سلامة يكشف تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة زياد الرحباني: رحيل بصمت وعبقرية لا تعوض

غسان سلامة يكشف تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة زياد الرحباني: رحيل بصمت وعبقرية لا تعوض

كشف وزير الثقافة غسان سلامة عن الجوانب الخفية من رحلة زياد الرحباني الأخيرة مع المرض، تلك الرحلة التي جمعت بين الصمت والوجع. كان خبر رحيله قاسياً، يذكر بصوت زياد وهو يعبر عن وجع الوطن على المسرح أو في الأزقة المظلمة. رحل الرجل الذي خاف محبوه من فقدانه، ليس فقط بسبب مرضه، بل لأنه كان كنزاً حياً نادراً لا يمكن تعويضه.

في هذه اللحظة المؤثرة، لم يتحدث وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة عن فقدان فنان فحسب، بل تحدث عن عبقري حمل هموم الناس على كتفيه وغادر بصمت. في حوار خاص مع جريدة "النهار"، فتح سلامة قلبه وذاكرته، متحدثاً عن الساعات الأخيرة، والتردد المؤلم بين العلاج والاستسلام، وعن زياد كما لم نعرفه من قبل: الإنسان، العبقري، المفكر، والابن الذي لا يشبه أحداً.

منذ توليه وزارة الثقافة، لم يخفِ الوزير غسان سلامة قلقه العميق بشأن الحالة الصحية للفنان زياد الرحباني، قائلاً: "كان هذا الهاجس يرافقنا منذ فترة، وقد عبرنا عنه بوضوح، لما نعرفه من صعوبة الوضع الصحي الذي كان يعيشه زياد الرحباني في الآونة الأخيرة".

في اتصال هاتفي مع "النهار"، كشف الوزير سلامة عن صفحات مؤلمة من معاناة زياد مع المرض، مؤكداً أن الراحل كان بحاجة إلى زراعة كبد، وهي عملية معقدة تتطلب انتظاراً طويلاً ومتابعة طبية دقيقة، بالإضافة إلى وجود الكبد المناسب للزراعة، وهو أمر قد يستغرق وقتاً طويلاً في كثير من الحالات. وأشار سلامة إلى أن زياد لم يكن حاسماً بشأن العلاج، بل كان متردداً بين قبول هذه التجربة الطبية الصعبة ورفضها، وكانت أفكاره متناقضة حيال الموضوع، وقد عبر عن هذا التردد بنفسه.

وكشف الوزير أن محاولات جادة بذلت لإقناع زياد بمتابعة العلاج من خلال دائرة أصدقائه المقربين، الذين كانوا يتواصلون معه ويبحثون في شأن العلاج، وكانت تصلني أفكار كثيرة منهم حول ما يمكن فعله. هؤلاء الأصدقاء، بحسب سلامة، ظلوا إلى جانبه حتى اللحظات الأخيرة، وكانوا يبذلون جهداً كبيراً لإقناعه بمتابعة العلاج. ورغم ذلك، لا يدعي الوزير أنه يعرف تفاصيل الحالة النفسية التي كان يعيشها زياد، قائلاً بصراحة: "لا أستطيع أن أجزم بذلك على المستوى الشخصي، لأني لم أعرفه عن قرب كافٍ يتيح لي تقدير حالته النفسية. كما تعلمين، أنا كنت أعيش خارج لبنان لفترة طويلة. لكن، من دون شك، منذ توليتُ وزارة الثقافة، ومنذ اليوم الأول، بدأتُ الاهتمام بوضعه الصحّي بناءً على ما أخبرني به أصدقاؤه".

أما عن الإرث الفني والفكري الذي يتركه زياد، فيرسم سلامة صورة شاملة ومفعمة بالتقدير: "زياد كان أكثر من شخص في جسدٍ واحد. أولاً، كان عبقرياً منذ سنواته الأولى. في سن العاشرة والحادية عشرة، كتب أغنيات ووضع لها موسيقى. هذا نوع من العبقرية المبكرة لا نراه إلا عند الكبار من أمثال زياد". ويضيف: "كان كاتباً، ومغنياً، وملحّناً، ومسرحياً. طوّر الفن الذي أسّسه والده عاصي وعمّه منصور، وأضاف عليه. وسّع دائرة جماهيرية فيروز لتشمل فئة الشباب، وهذا إنجاز كبير يُحسب له".

ولا يتوقف الإعجاب عند الإبداع الموسيقي فقط، بل يتعداه إلى الفكر والرؤية الاجتماعية والسياسية: "كان قادراً على استيعاب الواقع الاجتماعي اللبناني بتفاصيله الصغيرة، ثمّ التعبير عنها بسخرية عميقة. هذه السخرية لم تكن تهكّماً فارغاً، بل انعكاس لدقّة معرفته بالمجتمع الذي عاش فيه. كان لديه موقف من فلسطين، من القضايا العربية، من المجتمع اللبناني وتحوّلاته، وكان يفكر بعمق". ويختم هذا الوصف الشامل بقوله: "لم يكن موسيقياً عادياً، بل كان مفكّراً، وناقداً اجتماعياً، ومراقباً سوسيولوجياً، بالإضافة إلى عبقريته الفنية".

في ما يتعلق بالحفاظ على إرث زياد، يؤكّد الوزير أن وزارة الثقافة لا يمكنها التحرّك منفردة لأن "هناك ما يُعرف بالملكية الفكرية التي تعود إلى عائلة الراحل"، مضيفاً: "نحن نحترم تماماً هذه الملكية وحقوق الورثة. لذا، فإن أيّ خطوة ستقوم بها وزارة الثقافة ستكون ضمن هذا الإطار القانوني والأخلاقي". ويبدي استعداداً كاملاً للتعاون مع عائلة زياد إذا قررت توثيق الإرث: "إذا قرّرت عائلة زياد أن تتعاون معنا لتوثيق هذا الإرث، فإن الوزارة مستعدّة تماماً للقيام بدورها في الرقمنة، والحفظ، والتبويب، ضمن إطار المكتبة الوطنية اللبنانية".

أما عن التكريم الرسمي، فيؤكد سلامة أن التواصل جارٍ مع الجهات المعنية لوضع الترتيبات المناسبة، قائلاً: "زياد يستحق أكثر من تكريم، بل يستحق تكريماً متكرراً، على مدى الأشهر والسنوات المقبلة، وليس فقط في اللحظة الآنية".

مشاركة المقال: