السبت, 26 يوليو 2025 10:00 AM

تقرير حول أحداث الساحل السوري: اعتراف بجرائم مع الإفلات من العقاب يثير الجدل

تقرير حول أحداث الساحل السوري: اعتراف بجرائم مع الإفلات من العقاب يثير الجدل

أقرّ تقرير لجنة تقصي الحقائق حول مجازر الساحل بوقوع انتهاكات من قبل قوات النظام، لكنه حمّل المسؤولية للعناصر الميدانية فقط، متجاهلاً القيادات العليا. صدر التقرير بعد تأخير دام حوالي عشرة أيام عن الموعد المحدد، بالتزامن مع تطورات عديدة في المشهد السوري، أبرزها موجة العنف في محافظة السويداء، التي اعتُبرت أكثر خطورة مما حدث في الساحل، ولا تزال تداعياتها مستمرة، مما قلّل من الاهتمام الشعبي بنتائج التقرير.

تزامن صدور التقرير أيضاً مع تحول في المزاج التشريعي داخل الكونغرس الأميركي، نحو التدرج في رفع العقوبات، على عكس تعهدات الرئيس دونالد ترامب. بالإضافة إلى ذلك، تعثر مسار التقارب بين دمشق وتل أبيب، بعد سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مبنى هيئة الأركان وقصر الشعب في دمشق.

الكاتب والناشط السياسي عمر منيب إدلبي وصف الإعلان عن ملخص نتائج تقرير لجنة التحقيق بأنه "نقطة فارقة في تعاطي الدولة السورية مع مسؤوليتها تجاه أخطائها"، وأشاد، في منشور على "فايسبوك"، بحرية الإعلام في طرح الأسئلة دون قيود، وباللغة القانونية الموضوعية التي صيغ بها التقرير، وتحميل مؤسسات الدولة مسؤولية الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها عناصر عسكرية وأمنية تابعة لها ضد المدنيين.

إدلبي نوّه بأهمية التوصيات التي تضمنها التقرير، واعتبرها ضرورية لمنع تكرار مثل هذه المجازر وضبط سلوك أجهزة الدولة، ومنع إفلات عناصرها وغيرهم من المجرمين من العقاب. وأكد أن اللجنة أو أي لجنة مماثلة ليست مخولة بالإعلان عن أسماء المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم، حفاظاً على سرية التحقيق وسمعة الأفراد، مشيراً إلى أن توجيه الاتهامات الرسمية هو من اختصاص النيابة العامة فقط.

من جهته، علّق أحمد بنشمسي، مدير التواصل في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، على التقرير قائلاً: "نحن لا نحكم على النوايا بل على النتائج. وأعمال اللجنة تمثل اعترافاً رسمياً نادراً بحجم العنف ووقوع انتهاكات، بما في ذلك تلك التي ارتكبتها جهات حكومية، وهذا وحده يميّز اللجنة عن العديد من اللجان السابقة التي أجرت تحقيقات مماثلة في سوريا".

وأضاف بنشمسي أن اللجنة عقدت بالفعل اجتماعات مع منظمات شريكة، منها "هيومن رايتس ووتش"، لكنّها فشلت في التعامل مع الديناميكيات المؤسساتية التي سمحت بوقوع هذه الفظائع، معتبراً أن "مساءلة الأفراد ضرورية لكنها غير كافية"، ومؤكداً أن "ما غاب عن التقرير هو الاعتراف بالهيكل الأمني الأوسع الذي سهّل ارتكاب الانتهاكات في أكثر من 30 موقعاً في اللاذقية وطرطوس وحماة وغيرها".

أستاذ القانون الدستوري الدكتور سام دلا، وفي حديث إلى "النهار"، يرى أن "مضمون التقرير جاء سياسياً بامتياز، بل تجاوز في بعض خلاصاته السردية الرسمية للسلطة"، مشيراً إلى أن إحدى الخلاصات زعمت أن "هدف الفلول كان إقامة دولة علوية بتخطيط وتمويل وتنفيذ من مجموعات مدربة ضمن هيكلية شاقولية وأفقية"، دون أن تقدم اللجنة أي دليل ملموس يدعم هذا الادعاء. ويرى دلا أن التقرير يهدف إلى تبرئة القيادات العليا من المسؤولية، وإلقائها فقط على العناصر الميدانية، وذلك لتجنب تطبيق القانون الجنائي الدولي، خصوصاً المادة 28 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تنص على مسؤولية القادة العسكريين عن الجرائم التي ترتكبها القوات الخاضعة لإمرتهم، في حال لم يتخذوا إجراءات فعالة لمنع وقوع الجرائم أو لم يحاسبوا مرتكبيها.

يوضح دلا أن هذه المسؤولية "لا تتطلب إثبات صدور أوامر مباشرة، بل يكفي أن يكون القائد على علم، أو من المفترض أن يكون على علم، بما يجري، استناداً إلى موقعه وسلطته والظروف المحيطة. وفي حالة مجازر الساحل، يصعب القبول بزعم اللجنة أن القادة لم يكونوا على علم، أو أنهم لم يصدروا أوامر، خصوصاً أن الأحداث استمرت لأيام، ووثقتها عشرات المقاطع المصورة، ظهر فيها عناصر عسكرية بلباسهم الرسمي يشاركون في أعمال قتل وتنكيل". ويضيف أن بعض هؤلاء العناصر ظهروا لاحقاً في حملات أمنية في مناطق أخرى، مثل مدينة السويداء، ما يدل على أنهم "لم يُحاسبوا أو يُخضعوا لأي تحقيق"، بل ظلوا جزءاً من التشكيلات الأمنية الفاعلة.

ويختم دلا بالقول: "من الواضح أن التقرير لا يؤسّس للمساءلة، بل لسياسة الإفلات من العقاب".

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية

مشاركة المقال: