دمشق-سانا: الحقائق والأرقام في مجال الاقتصاد والاستثمارات الحالية والمستقبلية تجيب على تساؤلات السوريين حول مستقبل اقتصاد بلادهم وتطلعاتهم نحو التعافي، على الرغم من التحديات الكبيرة والخسائر "الصادمة" التي خلّفها النظام السابق للحكومة الجديدة في مختلف القطاعات، والتي انعكست على جوانب الحياة كافة.
سوريا.. موارد غير مكتشفة
في هذا السياق، كشف تقرير صادر في حزيران الماضي عن منصة "الطاقة" المتخصصة، ومقرها في واشنطن، عن تقديرات أولية بوجود 40 تريليون قدم مكعبة من الغاز "غير مكتشفة" في سوريا. وأشار التقرير إلى أن هذا الاكتشاف من شأنه "تغيير مسار الاقتصاد في البلاد وجعلها في عداد الدول المتصدرة عالمياً في مجال الغاز"، مدعوماً باشتراك سوريا مع دول شرق المتوسط الأخرى في حوض ليفانت، الذي يضم احتياطياً ضخماً يقدَّر بنحو 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن سوريا غنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز وفوسفات. وقد نوّه موقع "أويل برايسز" المتخصص في الطاقة في تقرير نشره عام 2019 إلى أن احتياطي سوريا من النفط كان يبلغ نحو 2.5 مليار برميل، ما يمثل 0.2 بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي، في حين بلغ الاحتياطي من الغاز الطبيعي، وفق الموقع، نحو 9 تريليونات قدم مكعبة، في نهاية عام 2010 ما شكل 0.1 بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي وسط توقعات للهيئة الجيولوجية الأميركية بوجود احتياطات طبيعية أخرى لم يتم اكتشافها بعد.
كما يقدم القطاع الزراعي الواسع والشامل في سوريا فرصاً كبيرة للاستثمار. فوفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، تعد سوريا واحدة من أهم الدول الزراعية في المنطقة، بفضل أراضيها الخصبة ومناخها الملائم لزراعة معظم المحاصيل، وعلى رأسها القمح والزيتون والقطن.
إضافة إلى ذلك، تمتلك سوريا مقومات سياحية فريدة مع مواقع تاريخية وأثرية بالآلاف تعود إلى حضارات عديدة مثل الكنعانية والفينيقية والآرامية والرومانية وغيرها، فضلاً عن موقعها المتميز عند ملتقى ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا، ما يجعلها نقطة وصل مهمة للتجارة والثقافة وحلقة وصل بين الشرق والغرب. كل هذه العوامل تجعل من سوريا وجهة جاذبة للاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة والتجارة وغيرها.
إجراءات حكومية داعمة
في إطار التحفيز على اندماج اقتصاد سوريا باقتصادات العالم، اتخذت الحكومة السورية إجراءات عدة داعمة، من ضمنها سنّ التشريعات الجديدة وإطلاق المبادرات. فقد أقرت وزارة الاقتصاد والصناعة نظام الاستثمار الجديد في المدن الصناعية السورية، بهدف تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار الصناعي، وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، ونقل وتوطين التكنولوجيا والمعرفة الصناعية. كما أطلق المنتدى السوري وصندوق "استثمر في سوريا" منتصف نيسان الماضي مشروع "صندوق استثمر في سوريا" لجذب الاستثمارات، وإقامة مشاريع في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية في كل المناطق السورية؛ للإسهام في عملية التنمية المستدامة.
وأكد وزير الاقتصاد والصناعة "محمد نضال الشعار" أن "بيئة الاستثمار في سوريا أصبحت مهيأة لاستقبال الاستثمارات المحلية والخارجية، بفضل نظام الاستثمار الجديد الذي يوازي في مرونته وتحديثه القوانين المعمول بها في الدول المتقدمة".
أبرز الاستثمارات في سوريا الجديدة
وقد بدأت الإجراءات الحكومية التشجيعية تؤتي ثمارها، حيث استقطبت شركات ضخمة للعمل في سوريا، منها الاتفاقية التي وقعت بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مع الشركة الفرنسية "CMA CGM" في نهاية شهر أيار الماضي، لإدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لمدة 30 سنة، بضخ استثمارات أولية بقيمة 30 مليون يورو خلال السنة الأولى، لتطوير البنية التحتية والفوقية وصيانة المعدات الحالية والأرصفة، بالإضافة إلى إدخال أنظمة تشغيل وتكنولوجيا حديثة تعتمدها الشركة في موانئ عالمية أخرى، كما ستضخ في السنوات الثلاث التالية استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو.
وفي مجال الطاقة، وقعت سوريا في الشهر نفسه اتفاقية ومذكرة تفاهم مع تحالف شركات دولية، بقيمة 7 مليارات دولار، بما يتيح توليد 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء عبر أربع محطات غازية، إضافة إلى إنشاء محطة طاقة شمسية بسعة 1000 ميغاواط.
كما كان للصناعة الإعلامية نصيب، إذ وقعت سوريا نهاية حزيران الماضي مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام وشركة "المها" الدولية، لإنشاء مدينة "بوابة دمشق" للإنتاج الإعلامي والفني والسياحي في سوريا، حيث يتوقع أن يوفر المشروع أكثر من 4 آلاف فرصة عمل مباشرة، و9 آلاف فرصة عمل موسمية في مجالات متعددة، وفقاً لوزير الإعلام السوري حمزة المصطفى.
وفي المجال الاقتصادي، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا وشركة موانئ دبي العالمية اتفاقية استراتيجية بقيمة استثمارية تبلغ 800 مليون دولار أمريكي، لاستثمار وتشغيل وتوسعة وإدارة ميناء طرطوس، وتطوير بنيته التشغيلية واللوجستية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
أما في المجال الصحي، فقد وقع وزير الصحة السوري مصعب العلي في حزيران الماضي اتفاقية تعاون مشترك مع نظيره التركي كمال ميميش أوغلو، في إطار تعزيز التعاون الصحي بين البلدين، وشمل الاتفاق تأهيل مشافٍ سورية منها مشفى الأورام في حلب ومشفى دمر لجراحة القلب في دمشق.
ومع استمرار تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية إلى سوريا، جاء لقاء الرئيس أحمد الشرع، بوفد من رجال الأعمال السعوديين برئاسة محمد أبو نيان وسليمان المهيدب، ليكون بشرى جيدة في علاقة استثمارية سورية-سعودية مرتقبة، ولا سيما أن اللقاء حمل أبعاداً إيجابية حول تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، وتوسيع آفاق الشراكة في مختلف المجالات، في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الثنائية.
وبالرغم من التحديات الموروثة، تتجه سوريا نحو التعافي الاقتصادي عبر مجموعة خطوات أهمها سنّ القوانين المشجعة على تحريك عجلة الاستثمار بعد النجاح في التخلص من العقوبات، إضافة إلى عقد اتفاقيات استثمارية مع كبرى المؤسسات العالمية، الأمر الذي يفسح المجال لآفاق استثمارية واعدة يتوقع أن تنعش الاقتصاد بما ينعكس على معيشة المواطنين في سوريا.