الإثنين, 21 يوليو 2025 11:35 AM

لوحات تحكي وجع الساحل: فنانون سوريون يجسدون حرائق الغابات بريشة الإبداع

لوحات تحكي وجع الساحل: فنانون سوريون يجسدون حرائق الغابات بريشة الإبداع

دمشق-سانا: الفن التشكيلي ليس مجرد أداة للجمال، بل هو وسيلة لنقل الأحداث والقضايا الهامة. يتميز الفن التشكيلي بقدرته الفريدة على تصوير المآسي بطريقة مؤثرة تدفع الناس إلى التفاعل معها بدلاً من النفور منها. على مر العقود، رصد التشكيل السوري المعاصر الأحداث التي شهدها المجتمع، ونقل الفنانون من خلال ريشهم وأزاميلهم وقائع مختلفة، بدءًا من قصف مبنى البرلمان السوري والنكبة الفلسطينية، وصولًا إلى مجازر النظام البائد بحق السوريين وزلزال شباط 2023، وانتهاءً بكارثة الحرائق التي ضربت غابات الساحل السوري في صيف 2025.

هذه الكارثة، التي وُصفت بأنها الأشد، هزت الفنان التشكيلي السوري بعمق، ليجد في الأشجار المحترقة وصور الرماد والنيران الملتهبة مادة دسمة للوحاته، مستخدماً تقنيات متنوعة وأساليب غلب عليها الرمز لنقل هذا الواقع المؤلم.

أديب مخزوم..فسحة أمل للعشب كي لا يموت

الفنان التشكيلي والناقد أديب مخزوم، الذي نظم قبل خمس سنوات معرضاً فردياً في دار الأوبرا بعنوان (بكائيات الحرب ـ سورية نهر الدموع) حول الأحداث المأساوية التي ألمت بالشعب السوري، تناول بلوحات بقياسات مختلفة جرائم حرق الغابات، ومنها لوحة حملت هذا الاسم، مشيراً إلى أنه رسمها بطريقة واقعية خاصة به، مع إضافة لمسات انطباعية حتى لا تكون لوحة تقليدية وبعيدة عن روح العصر.

وخلال حديثه مع سانا، اعتبر مخزوم أن إضفاء اللمسات اللونية الانطباعية العفوية المشبعة بالضوء على اللوحة، يجعلها تتفاعل مع (قانون التباين اللحظي) الذي أطلقه كلود مونيه زعيم الانطباعية. ويقول مخزوم عن تعاطي الفنانين مع كارثة الحريق: "لفتتني معالجة فنانينا الذين ينتمون إلى كل المحافظات السورية، وبإحساس وطني، لجرائم حرق الغابات في الساحل السوري، بكل التقنيات والأساليب، من الواقعية إلى التعبيرية مروراً بالانطباعية ووصولاً إلى الرمزية والخيالية وحتى التجريدية، وحتى لا تقع الأعمال في هاوية اليأس، رأينا بعض الفنانين يتركون فسحة أمل للعشب كي لا يموت وسط مساحات الرماد والسواد".

فارس قره بيت..الأحمر سيد الموقف

الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير فارس قره بيت، قدم لوحة نشرتها مجلة المجلة اللندنية، تعكس الألم والرعب، حيث يسيطر اللون الأحمر، مع ظلال لشخص بثياب رقيقة يرفع يديه العاريتين كمن يقف بوجه النار، بينما يحيط السواد بأطراف اللوحة.

عمر عزت هبرة..عملان عن نشوب النار والتضرع بالدعاء

جسد الفنان عمر عزت هبرة الحرائق التي اجتاحت الغابات من خلال عملين فنيين. في العمل الأول، عبر عن شراسة النيران وقساوة المشهد، حيث سيطر عليه شعور الخوف والحزن والألم، وشعر بأن جميع أبواب الأمل قد أُغلقت أمامه أمام استمرار الحرائق. أما في العمل الثاني، ومع اتساع نطاق الحرائق وسرعة انتشارها، لجأ إلى التضرع إلى الله، حيث ظهرت الأشجار وهي ترفع أيديها وتدعو، في مشهد رمزي يعكس التوسل والرجاء للنجاة من النار.

استخدم عزت هبرة في لوحاته ألوان الأكريليك والكانفاس، وأضاف إليها تقنية خاصة على ملمس اللوحة لتعكس عمق المأساة، وتبقى محفورة في الذاكرة إلى الأبد.

ريما الزعبي..تتبرع بثمن لوحاتها للمتضررين

الفنانة التشكيلية ريما الزعبي، بالإضافة إلى رسمها للوحات عديدة لكارثة الحرائق، قدمت مبادرة فريدة من نوعها، حيث أعلنت عن عرض مجموعتها الفنية الجديدة التي تضم 12 لوحة للبيع، والتبرع بجميع عائداتها للأهالي المتضررين من حرائق الساحل، الذين اضطرتهم النيران إلى ترك منازلهم وقراهم، فناموا في العراء وهم يحتاجون إلى الدعم.

نزار صابور.. الفنان المسكون برماد النار

الفنان التشكيلي نزار صابور، الذي رسم منذ سنوات مجموعة بعنوان “محاولات لتفسير الحرائق” تألفت من 14 عملاً، لا تزال هذه الكارثة تسكن ريشته، فاستعادها بمجموعة أعمال فاضت باللون الرمادي بدرجات متفاوتة، أشدها قتامة كانت لوحة نحى فيها الرماد إلى اللون الأسود، رمزاً عن شدة الحريق، فيما تحولت شعل النار إلى أشبه بالمناطيد التي تحلق في السماء، لتنشر لهيبها لمناطق أخرى بعيدة.

هذه الأعمال، التي تعبر عن الألم والحزن، وتبرز حجم الدمار في الغابات، لا تعزز الوعي فقط بأهمية حماية الطبيعة، ولكنها أيضاً وسيلة لتوثيق هذه الكارثة المؤلمة ودعوة المجتمع للتضامن مع المتضررين وتقديم المساعدة.

مشاركة المقال: