الجمعة, 18 يوليو 2025 01:35 AM

السويداء: خريطة الفصائل والمشايخ، مرجعياتها ومواقفها المتضاربة وتأثيرها على مستقبل المحافظة

السويداء: خريطة الفصائل والمشايخ، مرجعياتها ومواقفها المتضاربة وتأثيرها على مستقبل المحافظة

أثار التدخل الإسرائيلي في سوريا بذريعة حماية الدروز حالة من الفوضى، مما زاد من تعقيد المشهد العسكري والأمني في الجنوب السوري. جاء ذلك بعد أيام من اشتباكات بين قوات الجيش السوري والأمن الداخلي من جهة، وقوى عسكرية في السويداء أبرزها المجلس العسكري من جهة أخرى. تتخلل هذه الاشتباكات تباينات وتضارب في التوجهات التي تتبناها الزعامات الدينية في السويداء، بالإضافة إلى تعقيدات في اصطفافات القوى العسكرية وعلاقتها بالدولة السورية.

أُعلن عن اتفاق بين الدولة السورية وفعاليات السويداء يوم الخميس 16 يوليو/تموز، بعد ساعات من التدخل الإسرائيلي في سوريا واستهدافات بالطيران طالت مبنى رئاسة الأركان في دمشق ومحيط القصر الذي يقطنه الرئيس الشرع، إضافة إلى قطاعات عسكرية في قطنا والمزة ومعضمية الشام، وقوى الأمن الداخلي والجيش السوري في الجنوب.

ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع في كلمة مسجلة موجهة للسوريين فجر الجمعة 17 يوليو/تموز، منتقداً التدخل الإسرائيلي ومُصعّداً لهجته تجاه إسرائيل. وأشار إلى أن جهود الدولة نجحت في إعادة الاستقرار وطرد الفصائل الخارجة عن القانون، رغم التدخلات الإسرائيلية التي استهدفت المنشآت المدنية والحكومية، مما أدى إلى تعقيد الوضع وتصعيده، لولا تدخل الوساطة الأميركية والعربية والتركية.

أعلن الرئيس الشرع عن تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء، مؤكداً أن هذا القرار نابع من إدراك خطورة الموقف على الوحدة الوطنية وتجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة.

نتائج الأحداث في السويداء، وسط التدخل الإسرائيلي، تنذر بتداعيات كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي في حال عدم استيعاب المشهد وتغليب العقل ووساطات التهدئة ووقف الاقتتال.

يهدف هذا التقرير إلى رسم معالم القوى العسكرية والدينية في السويداء، وارتباطاتها وتأثيرها الداخلي والخارجي، ومدى تفاوت وجهات النظر بينها، مما يعكس وجود عوامل لصراع داخلي وإمكانية امتداده إلى منحى عسكري.

حركة “رجال الكرامة”

تأسست عام 2013 على يد الشيخ وحيد البلعوس لحماية شباب السويداء من الخدمة الإلزامية ومواجهة محاولات التجنيد. ومع مرور الوقت، شكلت الحركة تهديداً للنظام السوري، خاصة بعد تأمين انشقاق عناصر جيش النظام. وفي عام 2015، اغتيل الشيخ وحيد البلعوس بتفجير استهدف سيارته.

أدى الاغتيال إلى فوضى داخل الحركة، وتم تعيين رأفت البلعوس كقائد، ثم يحيى الحجار الذي أجرى تغييرات أدت إلى انشقاقات، منها خروج ليث وفهد البلعوس وتشكيل قوّة جديدة باسم “حركة شيخ الكرامة”.

حركة رجال الكرامة ترفض تسليم سلاحها وتصر على أن تكون اليد العليا لأبناء السويداء، مع لعب دور في الوساطات للتهدئة.

يُقدر عدد عناصر الحركة الحالي بـ 800 مقاتل. وخلال الاشتباكات الأخيرة، سقط من الحركة أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً.

حركة “شيخ الكرامة”

تأسست عام 2018 بقيادة ليث وفهد البلعوس، والتزمت بأدبيات حركة رجال الكرامة. وقفت الحركة مع فكرة توحيد القوى والاندماج بوزارة الدفاع السورية الجديدة، وشاركت في العمليات التي أدت إلى سقوط النظام، ولعبت دوراً كبيراً في حل النزاعات.

ومع بدء الاشتباكات الأخيرة، وقفت مع جهود التهدئة مع ميول أكثر نحو سيطرة الدولة على مفاصل السويداء، وظهر البلعوس في فيديوهات تؤكد الوقوف مع وحدة البلاد ورفض التدخل الإسرائيلي.

ظهر البلعوس أكثر من مرّة في فيديوهات تؤكد الوقوف مع وحدة البلاد ورفض التدخل الإسرائيلي. وبحسب المعلومات فإن الحركة قد تلعب دوراً فاعلاً في التوافقات وإدارة السويداء بدعم من الدولة السورية

تجمع “أحرار جبل العرب”

بدأ بقيادة الشيخ سلمان عبد الباقي في عام 2022، وكان فصيلاً مقرباً من حركة “رجال الكرامة”. يركز التجمع في وساطاته على عدم وجود حالة من الفصائلية وضرورة دخول الدولة إلى السويداء ودمج الفصائل في السويداء في الجيش السوري ككل ضمن “جيش موحّد”. خلال الاشتباكات الأخيرة لعب الفصيل دورا في التهدئة.

“المجلس العسكري”

تأسس في فبراير 2025 بقيادة طارق الشوفي، وجمع فصائل كانت رديفة لقوات النظام السوري. يضم المجلس قادة وضباط سابقين في جيش النظام وأجهزته الأمنية. يروج المجلس لصورة تهدف إلى حماية الأهالي وضبط عمليات تهريب المخدرات والسلاح، إلا أن مصادر أكدت أن قادة في المجلس يديرون عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات.

يُعد المجلس من أبرز القوى الموجود في السويداء، تأسس في فبراير 2025، بعد سقوط النظام بأشهر، بقيادة طارق الشوفي، المجلس لم يتشكل من الصفر، بل جمع فصائل كثيرة كانت في غالبيتها رديفة لقوات النظام السوري، وبعضها كان مدعوما من روسيا

كان “المجلس العسكري” أحد الأطراف التي أشعلت الاشتباكات الأخيرة، ويميل إلى فكرة الإدارة الذاتية، ويقف مع الهجري في طلب الحماية الدولية. وتُتهم قواته بتنفيذ عمليات قتل جماعية بحق البدو وقوات الأمن الداخلي والجيش السوري. كما أن عدّة مصادر أكدت وجود تواصل بين المجلس العسكري وقسد، وتلقي المجلس دعماً ماليا من قسد خلال الفترة الماضية، إضافة إلى اعتماده على قادة من النظام السوري السابق في عمليات التدريب والتخطيط لعملياته.

“قوات مكافحة الإرهاب”

تضم قرابة 700 مقاتل، وتأسست كذراع عسكري لحزب اللواء السوري، الذي يرأسه مالك أبو الخير. تنسق القوات بشكل رئيسي مع المجلس العسكري، وتقود حملات اجتماعية تروج لمفهوم الانفصال وتحويل السويداء إلى منطقة ذات حكم ذاتي.

فصائل صغيرة ومجموعات عائلية

تنشط في السويداء أيضاً قوى صغيرة ومجموعات عائلية، بعضها انضم أو ينسق مع المجلس العسكري، وبعضها يعمل منفرداً في الخطف والابتزاز وتهريب المخدرات والسلاح. تشير المعلومات إلى وجود قوات كانت مع الميليشيات الإيرانية وهربت مع سقوط النظام.

الزعامات الدينية والتفاوت في الرؤية

تلعب الزعامات الدينية دوراً في توجيه الأهالي، ومن أبرزها عائلات جربوع والحناوي والهجري.

يوسف الجربوع: يدعو للسلم الأهلي وتغليب لغة العقل، وكان فاعلاً في محاولة تقريب وجهات النظر مع الدولة السورية.

يُعرف عن الشيخ يوسف الجربوع دعوته للسلم الأهلي، وتغليب لغة العقل على المزاج الطائفي

الشيخ حمود الحناوي: التزم الحياد والدعوة للسلم الأهلي، وطالب بأهمية الحوار الوطني.

حكمت الهجري: يدعو لحماية دولية ويتهم الدولة السورية بالإرهاب، ويقف في وجه دخول الدولة إلى المحافظة.

حكمت الهجري من أكثر مشايخ العقل جدلاً ومواقفه يعدّها كثيرون أنها تعقد كل جهود التفاوض مع الدولة السورية، ويقف في وجه دخول الدولة السورية إلى المحافظة، ويدعو لحماية دولية

أجندات متضاربة

يعكس تفاوت وجهات النظر بين القوى العسكرية والدينية أن المحافظة ليست موحدة في موقفها. الأحداث الأخيرة أثارت غضب قوى عسكرية ودينية مثل قوات رجال الكرامة وقوات شيخ الكرامة وتجمع أحرار جبل العرب، في حين أسعدت مكونات أخرى مثل قوى مكافحة الإرهاب والمجلس العسكري.

استمرار التوتر في الجنوب قد يؤدي إلى اقتتال طائفي، مما سيؤثر على بنية التحالفات والتوجهات. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين جهود نزع فتيل الاقتتال وتغيير التحالفات أو ازدياد الهوة بين الأهالي وفصائلهم.

مشاركة المقال: