الأربعاء, 16 يوليو 2025 11:33 PM

السويداء على صفيح ساخن: اشتباكات وعمليات عسكرية وتدخلات إقليمية تهدد الاستقرار

السويداء على صفيح ساخن: اشتباكات وعمليات عسكرية وتدخلات إقليمية تهدد الاستقرار

تشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا تصعيدًا أمنيًا منذ الأحد 13 تموز/يوليو 2025، حيث تجددت الاشتباكات بين فصائل محلية ومجموعات مسلحة مساء الثلاثاء، رغم التفاهمات الأخيرة التي أعلنتها وزارة الداخلية السورية لتهدئة الأوضاع. بدأت الأحداث إثر اختطاف تاجر خضار على طريق دمشق-السويداء، مما أدى إلى عمليات خطف متبادلة، ثم تصاعدت إلى مواجهات مسلحة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، مخلفة ضحايا من المدنيين وقوات الأمن.

مستقبل مرهون بقدرة الدولة على فرض السيطرة

قال الباحث في القانون الدولي، مجد عيون السود، لمنصة سوريا 24: "بداية الأحداث في السويداء تعود إلى إشكالية في حي المقوّس، وامتدت إلى البراق والصورة ولبين، بين العشائر السنية والدروز، بسبب الاحتقان وغياب مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، مما أسفر عن قتلى وجرحى". وأضاف: "تحرّكت قوات الجيش العربي السوري، وأعلن العميد أحمد الدالاتي، قائد الأمن الداخلي في السويداء، دخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى مركز المدينة لحماية المدنيين واستعادة الأمن، وقطع الطريق على المجموعات الخارجة عن القانون".

واعتبر عيون السود أن "مستقبل السويداء مرهون بقدرة الدولة السورية على فرض سيطرتها المطلقة وحماية المدنيين وإدارة المدينة مع العقلاء المؤمنين بالدولة، وأن السويداء جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة السورية".

تدخل الدولة السورية

أكدت وزارة الداخلية السورية في بيان رسمي اطّلعت عليه منصة سوريا 24، أن قواتها، بالتعاون مع وحدات من وزارة الدفاع، طردت "المجموعات الخارجة عن القانون" من مركز مدينة السويداء، وأمنت المدنيين، وأعادت الاستقرار. وأشار البيان إلى اجتماع ميداني بين العميد أحمد الدالاتي ووجهاء المدينة، تم خلاله الاتفاق على تثبيت نقاط أمنية وسحب الآليات العسكرية لتعزيز الهدوء. لكن الوزارة لفتت إلى خرق التفاهمات من قبل "مجموعات مسلحة" استهدفت عناصر الشرطة والأمن.

محاولة لاحتواء الفوضى

أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان، صباح الإثنين، بدء عملية عسكرية وأمنية مشتركة لفرض الأمن في السويداء. وأكد العقيد حسن عبد الغني، المتحدث باسم وزارة الدفاع، أن القوات المسلحة على مشارف المدينة، وتنسق مع فصائل محلية، مشيرًا إلى أن الوضع العسكري "يتجه نحو السيطرة" رغم شدة الاشتباكات. وأضاف أن القوات تستهدف "مجموعات خارجة عن القانون"، نافيًا أن تكون الدولة في حالة قتال مع أي طرف محلي، بل تسعى لحماية المدنيين.

من جانبه، أعلن العميد شاهر جبر عمران، قائد الأمن الداخلي في درعا، أن وحدات من قوى الأمن الداخلي تحركت من درعا باتجاه السويداء لدعم العملية، مؤكدًا أن "درعا والسويداء جزء لا يتجزأ من الوطن"، وداعيًا سكان المحافظة إلى التعاون مع قوات الدولة لفرض القانون وحماية المدنيين. وفي تصريح للمتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أكد أن دخول القوات جاء بناءً على "مطلب شعبي" لإنهاء حالة الفلتان الأمني التي تشهدها المحافظة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مشيرًا إلى أن الأمور قد تُحسم خلال ساعات.

دوافع التدخل وأهدافه

يرى المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادة، أن تدخل الدولة السورية في السويداء يأتي ضمن استراتيجية لفرض السيطرة الأمنية على كامل الأراضي السورية. وأوضح، في حديث لمنصة سوريا 24، أن العملية تهدف إلى نزع السلاح غير الشرعي، والقضاء على الوجود الإيراني وخلايا تنظيم "داعش" النائمة، إضافة إلى مكافحة تهريب المخدرات الذي يُعتقد أنه يتم عبر المنطقة. وأشار إلى أن هذه الخطوة "لا رجعة عنها"، وتعكس تصميم الدولة على استعادة هيبتها.

التدخل الإسرائيلي

أضاف التدخل الإسرائيلي تعقيدًا للأزمة، حيث نفذت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة في السويداء، منها منطقة الشقراوية ومحيط مطار الثعلة العسكري، واستهدفت غارات مماثلة يوم الثلاثاء رتلًا عسكريًا منسحبًا من السويداء، ومواقع في محيط مدينة إزرع بريف درعا، واقتصرت أضرارها على الخسائر المادية. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارات استهدفت آليات عسكرية تابعة للحكومة السورية "بتوجيهات من المستوى السياسي". في المقابل، أدانت الخارجية السورية الغارات، معتبرة إياها محاولة لجر المنطقة إلى فوضى أمنية. وأفادت القناة 12 الإسرائيلية، نقلًا عن مصدر أمريكي، أن واشنطن طلبت من إسرائيل وقف هجماتها على الجيش السوري، وأن إسرائيل وعدت بتعليق هجماتها اعتبارًا من مساء أمس الثلاثاء.

مواقف محلية ودولية

رحب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، يوسف جربوع، بجهود الدولة، مؤكدًا خلال لقائه مع قادة الأمن أن "أبناء السويداء مع دولتهم السورية، وانتماؤهم الوطني ثابت"، مطالبًا بحماية الجميع ومنع التعديات. في المقابل، عارض الشيخ حكمت الهجري التدخل الحكومي، معتبرًا أنه يهدف إلى "إخضاع السويداء بالقوة"، وطالب بحماية دولية للدروز. كما أدانت دول عربية، مثل قطر والسعودية والأردن، الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدة أهمية سيادة سوريا. واعتبر الكاتب والأكاديمي، فايز القنطار، أن الوضع يحتاج الآن إلى الحوار وبناء عقد اجتماعي، وتأسيس دولة حديثة تُخرج سوريا من وضعها الحالي، وليست هناك حاجة إلى العنف والقتل. وأضاف: "كان هناك اتفاق في الأول من أيار بين جميع الفعاليات في السويداء، لكن هذا الاتفاق لم تلتزم به السلطة في دمشق، ما فسح المجال أمام مجموعات الخطف والقتل وقطع الطرق ونهب المسافرين". وتابع: "منذ شهر أيار، تنتظر المحافظة تفعيل كل مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات الأمنية منها، لكن السلطة لم تفعل ذلك". وختم قائلًا: "أنا متشائم جدًا من هذا الوضع، وما يجري لا يزيد المشهد إلا تعقيدًا، ولا نعرف كيف يمكن الخروج من هذا المأزق. يجب الدعوة الفورية إلى وقف إطلاق النار، وسحب كل القوات التي دخلت إلى السويداء إلى أطرافها، وفتح حوار حقيقي مع الجميع، وليس فقط مع رجال الدين".

الجهود الدبلوماسية

أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، عبر منصة X، انخراطه في مناقشات مع جميع الأطراف لتحقيق تهدئة، مشيرًا إلى أن الاشتباكات الأخيرة تثير القلق، وأن التحدي الأكبر هو التضليل وضعف التواصل. وتتركز استراتيجيته على التوصل إلى حل سلمي يشمل الدروز، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية.

الوضع الإنساني

تشهد السويداء حركة نزوح للمدنيين جراء الأحداث، حيث يتم تأمين الأهالي إلى أماكن آمنة، مع توجّه الكثيرين إلى جرمانا في دمشق، بحسب مراسل منصة سوريا 24 في الجنوب السوري.

آفاق الحل

تتجه الأوضاع نحو نقطة تحول، مع تصميم الدولة السورية على فرض سيطرتها، مستفيدة من التنسيق مع فصائل محلية ودعم وجهاء دينيين. وتشير تصريحات المسؤولين الأمنيين والعسكريين والمحليين إلى أن الهدف هو إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، مع التركيز على نزع السلاح غير الشرعي وتأمين الحماية للمدنيين. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في تحقيق توافق شامل يشمل جميع الأطراف، خاصة مع استمرار رفض الشيخ حكمت الهجري وفصائل محلية أخرى للتدخل الحكومي.

مشاركة المقال: