كتب: ماهر الزعبي
أربعة عشر شهيداً من أبناء العشائر، بينهم أربعة أطفال وثلاث سيدات، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى. هذه ليست مجرد أرقام، بل هم مواطنون سوريون لهم الحق في الحياة قبل أي اعتبارات سياسية أو عسكرية. من اللافت وصول جرحى أبناء العشائر إلى مشفى درعا الوطني، الذي يبعد 65 كيلومترًا عن مناطق الاشتباكات، وهذا الأمر يحمل دلالات معينة.
كما تشير الأخبار المتواردة إلى سقوط 27 شهيداً من أبناء السويداء، بينهم طفلان، وعدد كبير من الجرحى. وهؤلاء أيضاً ليسوا مجرد أرقام، بل مواطنون سوريون يستحقون أفضل حياة ممكنة، قبل أي حسابات سياسية أو عسكرية.
الطريق الممتد من الحدود الإدارية الشمالية لمحافظة السويداء حتى قصر المؤتمرات في بداية دمشق، والذي يبلغ طوله 85 كيلومترًا، يعج بالحواجز التي تقوم بسلب أبناء السويداء وأبناء العشائر على حد سواء، دون تمييز طائفي. الهدف من عمليات السلب والخطف هو المال فقط، وهي تطال جميع الأطراف ولا تتبع لأي أيديولوجيا عقائدية. تقع مسؤولية حماية هذا الطريق على عاتق الدولة بالدرجة الأولى.
كما أن لأبناء السويداء الحق في حياة كريمة وحرية التنقل من محافظتهم إلى دمشق، يجب ألا ننسى أن أبناء العشائر يشكلون ما نسبته 35٪ من محافظة السويداء، وهم ليسوا رهائن لدى فصائل السويداء، بحيث يتم اعتقالهم وخطفهم كلما ظهرت بوادر خلاف سياسي. لقد تم إخماد حرائق الساحل، ولكن نار الحقد اشتعلت في أقصى جنوب شرق سوريا، وأسفرت عن سفك الدماء.
الحقد سيولد الحقد، والخطف سيتبعه الخطف المضاد، وهذا بدوره سيؤدي إلى اشتعال الجبهات، وهو ما حدث بالفعل. أبناء العشائر ليسوا محصورين في جغرافية السويداء ومحيطها، بل هم امتداد لعشائر سورية متصلة من الحدود الأردنية إلى الحدود اللبنانية، ومن الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية. هنا تكمن خطورة الموضوع.
لا يهم من رفع السلاح من أبناء فصائل السويداء، بل المهم هو استشهاد أطفال دروز سوريون. ولا يهم من رفع السلاح من أبناء العشائر، بل المهم هو استشهاد أطفال وسيدات من العشائر. إذا تُرك الأمر مفتوحاً، ستتعاظم كرة النار وستدخل أطراف جديدة إلى دائرة الصراع، مما سيزيد من القتل والحقد وخطاب الكراهية.
الحل يكمن في تدخل طرف ثالث للفصل بين الطرفين، وهذا الطرف الثالث هو الدولة. الموضوع ليس معركة عض أصابع أو لي أذرع، بل هو حاجة إلى دولة مؤسسات وقانون تقول كلمتها فوق الجميع. بيان عشائر أهل حوران الذي يدعو لتغليب الحكمة ولغة العقل يمثلني، وبيان مشيخة العقل الذي يدعو لحقن الدم يمثلني. ومن يحاول تصوير الحدث على أنه صراع مسلح بين درعا والسويداء فهو واهم وقاصر في رؤيته.
أبناء الطائفة الدرزية الكريمة هم أهلنا وجيراننا، دمهم دمنا ومصابهم مصابنا، وأطفالهم أطفالنا وسيداتهم شقيقات الخبز والحرب، وهم ورد الجنوب السوري. تماماً كما أن أبناء العشائر هم أهلنا، دمهم دمنا ومصابهم مصابنا، ودماء أطفالهم الشهداء وسيداتهم الشهيدات إثر الاقتتال بالأمس تنزف من قلبي، وهم قمح الجنوب السوري.
لن يحسم الأمر فوق بندقية أبناء العشائر وبندقية أبناء الطائفة الدرزية إلا الدولة بمؤسسة وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية أيضاً. لذلك، تأخر الدولة في علاج الموضوع هو تأخر كارثي، ورفض أبناء الطائفة الدرزية وأبناء العشائر لتدخل الدولة هو رفض كارثي. للأصوات التي تتعالى على منصات التواصل الاجتماعي مهللة ومكبرة لاقتتال الأخوة الأعداء من الطرفين، فلتتقوا الله، فهذا دم سوري وليس علب عصير. اللهم حقن الدم لأهلنا في السويداء، اللهم حقن الدم لأهلنا أبناء العشائر، اللهم آجرنا في مصيبتنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)