الأحد, 13 يوليو 2025 08:32 PM

مخاوف مستمرة: نظرة على علاقة دمشق والقاهرة في ظل التطورات الجديدة

مخاوف مستمرة: نظرة على علاقة دمشق والقاهرة في ظل التطورات الجديدة

على الرغم من الروابط التاريخية العميقة، تشهد العلاقة بين دمشق والقاهرة حالة من الحذر والترقب، وفقًا لتصريحات مسؤولين مصريين، وذلك بعد تولي القيادة الجديدة في سوريا برئاسة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مقاليد الأمور. ففي الثالث من تموز الحالي، أفادت الخارجية المصرية في بيان بأن وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، قد بحث خلال اتصال مع نظيره السوري، أسعد الشيباني، التطورات المتوقعة في سوريا بعد رفع العقوبات الأمريكية. وتناول الوزيران خلال الاتصال التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في سوريا، بالإضافة إلى الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السورية، حسبما ذكرت الخارجية.

أكد عبد العاطي دعم مصر لـ "تدشين عملية سياسية شاملة ذات ملكية وطنية سورية خالصة دون إملاءات أو تدخلات خارجية، تحافظ وتدعم وحدة واستقرار سوريا وشعبها بكل مكوناته وشرائحه".

لا قطيعة ولا انفتاح

يرى الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي أن العلاقات السورية-المصرية تقف حاليًا عند مفترق طرق حذر، يتميز بـ "لا قطيعة ولا انفتاح واسع". وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضح الحاج علي أن الجانب المصري يراقب التحولات الجارية في دمشق بحذر، بينما تنشغل سوريا بإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وصياغة رؤيتها الإقليمية الجديدة. ويعتقد الدبلوماسي أن التواصل مستمر على مستوى أساسي، لكنه لم يتطور بعد إلى تعاون منظم أو شراكة استراتيجية.

وفي تصريحات لقناة "ON" المصرية في 29 من حزيران الماضي، أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن "قلق شديد فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في سوريا". وأشار عبد العاطي إلى أن تحقيق الاستقرار في سوريا يعتمد على مسألتين: الأولى، عملية سياسية شاملة لا تستبعد أحدًا، والثانية، مكافحة الإرهاب والتعامل مع قضية المقاتلين الأجانب، مؤكدًا أنه "لا يمكن أن تستقيم الأمور بوجود مقاتلين أجانب منخرطين في الجيش الوطني السوري".

وشدد عبد العاطي على أن "مصلحة مصر الأكيدة" تكمن في تحقيق استدامة الاستقرار في سوريا. ورداً على سؤال حول القيادة الجديدة في سوريا، والتي كانت مصر تصفها بـ "سلطة الأمر الواقع"، أوضح وزير الخارجية المصري أن "مصر تنحاز إلى الشعب السوري واختياراته".

ويرى المحلل السياسي المصري محمد علي الضبع أن الدور المصري يتسم بالترقب، خاصة مع توجه "النظام السوري" (الحكومة السورية الجديدة) نحو التطبيع مع إسرائيل. وأوضح الضبع أن ما يقلق القاهرة تحديدًا هو "تنامي الدور التركي، الذي يعمل وفقًا لمخططات أمريكية-إسرائيلية تسعى لتقسيم سوريا" وإضعافها عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا. وأضاف: "لا يفوتنا أن القاهرة كانت قلقة لتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإيرانية-الإسرائيلية"، وكذلك ما أسماه "صراع النفوذ التركي-الإيراني".

إسلاميون.. مقاتلون أجانب

تعتبر ملفات المقاتلين الأجانب والجماعات الإسلامية التي تعتبرها القاهرة "متشددة" من أبرز العقبات التي تواجه التقارب بين دمشق والقاهرة. ويرى الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي أن تركيز مصر على ملف المقاتلين الأجانب ينبع من "عقيدة أمنية راسخة" ترى في هذا النوع من التهديدات "عامل تفكيك إقليمي لا يستهان به".

ويوضح الحاج علي أن المسألة لا تتعلق بـ "الاتجاه الإسلامي" بحد ذاته، بل بمدى اندماجه ضمن مشروع الدولة الوطنية. وتتحسس مصر من التجارب التي أُديرت خارج الإطار المؤسساتي، خاصة عندما تكون مشبعة بخطاب عابر للحدود. لذلك، يضيف الحاج علي، ما يهم القاهرة هو أن تكون السلطة المركزية قادرة على احتواء التعدد وضبطه، دون أن يتحول إلى منافس شرعي للدولة أو مصدر اضطراب سياسي.

بعد سقوط الأسد، وحتى قبل أن تستقر الأوضاع الأمنية في سوريا، صدر تهديد يستهدف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على لسان جهادي مصري كان ضمن فصائل المعارضة السورية يدعى أحمد المنصور، لكن جرى اعتقاله في 15 من كانون الثاني الماضي. واعتبرت هذه الخطوة قد تساعد في تخفيف مخاوف القاهرة بشأن الإدارة الجديدة في دمشق، "في ضوء حملة الحكومة المصرية على جماعة (الإخوان المسلمين) في الداخل"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصدر في الداخلية السورية ومصدر أمني عربي.

ووضعت القاهرة أمام دمشق مطالب واضحة، بحسب المحلل السياسي المصري محمد علي الضبع، وهي الامتناع بشكل قاطع عن استضافة من أسماهم بـ "الإرهابيين" والترويج للجماعات الإسلامية بأي شكل من الأشكال، والتي تشكل خطًا أحمر بالنسبة للقاهرة، وألا تدعم "هيئة تحرير الشام" (سابقًا) الجماعات المسلحة في المنطقة. ويرى الضبع أن القاهرة تتعامل مع دمشق بـ "تحفظ"، معتبرًا أنها تفرق تمامًا بين إسلامي يلتزم بمؤسسات الدولة ويسعى لوحدتها، وآخر مرتبط أو له ارتباطات سابقة بجماعات متطرفة مسلحة.

ويعزو المحلل السياسي المصري حالة الترقب التي تنتهجها القاهرة إلى تنامي ما أسماها "موجة العنف الطائفي" ووجود جماعات "متأسلمة" مسلحة تضم متطرفين متعددي الجنسية، ما يؤثر على التركيبة السكانية السورية. ويعتقد المحلل السياسي المصري أن هذه الجماعات "متصارعة ومتناحرة مع بعضها"، ما يحوّل سوريا إلى نموذج الغرب الليبي (يشمل حكومة الوفاق الوطني الليبية بدعم تركي)، وذلك ما ترفضه مصر.

وبعد سقوط الأسد، تحدث الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلًا، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجيا وقيم السوريين، وجرى منح بعضهم رتبًا عسكرية، وذهبت ست وظائف عسكرية على الأقل في وزارة الدفاع السورية لأجانب، من أصل 50 أُعلن عنها.

وفي حزيران الماضي، أعطت الولايات المتحدة موافقتها على خطة القيادة السورية الجديدة لدمج آلاف المقاتلين الجهاديين السابقين في الجيش السوري، بشرط أن يتم ذلك بشفافية. ونقلت "رويترز" عن ثلاثة مسؤولين سوريين في وزارة الدفاع قولهم، إنه بموجب الموافقة الأمريكية، سيجري دمج نحو 3500 مقاتل أجنبي في الجيش السوري، معظمهم من الإيغور.

لماذا لم تركب مصر القطار الخليجي

منذ سقوط الأسد عمدت دول الخليج العربي إلى دعم سوريا سياسيًا واقتصاديا، وكانت السعودية الوسيط الأبرز لرفع العقوبات عن سوريا، عندما طلب الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي ذلك من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجرى الإعلان عن ذلك في أيار الماضي. كما تعد الدوحة من أبرز حلفاء الحكومة الجديدة في سوريا، فقد عمدت، بالشراكة مع الرياض، إلى تسديد ديون سوريا في البنك الدولي، وعقدت عدة اتفاقات اقتصادية مع الحكومة السورية، أبرزها اتفاقية بقيمة سبعة مليارات دولار مع تحالف من الشركات الدولية في طليعتها شركة "أورباكون القابضة" القطرية.

ويرى الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي أن مصر لا تتجاهل المسار الخليجي-الأمريكي في الانفتاح على دمشق، لكنها تتعامل مع الحالة السورية من زاوية أمن قومي لا منطق اصطفاف. لذلك، بحسب الحاج علي، فهي تفضّل التريث إلى حين اتضاح الحدود الفاصلة بين الدولة والفصائل، وبين السيادة والانفلات.

في حين يرى المحلل السياسي المصري محمد الضبع، أن "الأمر المزعج للقاهرة، هو تولي تنظيم إرهابي الحكم في سوريا"، حتى وإن أسقطت عنه واشنطن تلك الصفة، لأنها هي من دعمته إلى جانب إسرائيل وتركيا وقطر والإمارات والسعودية للوصول إلى سدة الحكم، وهو ما يقتضي، بحسب المحلل السياسي المصري، إطلاق اليد الإسرائيلية لتحقيق أطماعها في سوريا، مقابل صفقات مع روسيا وتركيا.

جناحان لطائر واحد

في آذار الماضي، قال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في لقاء مع قناة "العربية"، في معرض حديثه عن مشاركة سوريا في القمة العربية الطارئة بشأن غزة التي أقيمت في القاهرة، إن سوريا ومصر "جناحان لطائر واحد". وقال الشرع: "سوريا في مكانها الطبيعي وهي بين إخوانها، وهي جزء من الحضن العربي، ولا أقول عادت إلى الحضن العربي، وبالأخص مصر، فكما يقال مصر والشام جناحان لطائر واحد هذه الحالة الطبيعية على كل فترات التاريخ".

ويرى الدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي أن تصريح الرئيس الشرع يحمل بُعدًا رمزيًا عميقًا ويعبّر عن رؤية وحدوية تتجاوز الاصطفافات الطارئة، لكن تحسين العلاقات يتجاوز الرمزية، ويتطلب التقاء مصالح ووجود إرادة سياسية فعلية. وتبدي دمشق الجديدة، بحسب الحاج علي، انفتاحًا متوازنًا تجاه المحيط العربي، ومصر تتحرك وفق حسابات دقيقة لا تقفز فوق الواقع، مشيرًا إلى أن التحسن ممكن، لكنه سيتطلّب تدرّجًا مدروسًا، لا خطوات شكلية.

وبحسب الحاج علي، فإن الجانب المصري يتحرك في ضوء ثلاثة هواجس أساسية، الأول استقرار البنية الأمنية داخل سوريا، خصوصًا فيما يتعلق بتفكيك التهديدات غير النظامية، والثاني وضوح هوية القرار السياسي في دمشق، بعيدًا عن تعدد مراكز التأثير، والثالث مدى قابلية سوريا للدخول في مسار إقليمي لا يرتد على استقرار المحيط.

في المقابل، يرى بشار الحاج علي أن القيادة السورية الجديدة تتعامل بحذر مفهوم، وتبحث عن شراكات عربية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ولا يفتقر الطرفان إلى الرغبة، بل إلى جدول عمل واقعي يؤسس لثقة متبادلة، وفق حاج علي.

من جانبه، يعتقد المحلل السياسي المصري محمد علي الضبع أن مصر احترمت خيار الشعب السوري، لأنها لا ترحب ولا ترغب في التدخل بالشأن الداخلي للدول، وكل ما تأمله استقرار سوريا ووحدتها، وخيار يحظى بموافقة غالبية الشعب السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "النظام السوري الجديد" يركز حاليًا على ترميم الوضع الداخلي المنهك نتيجة ما تعرضت له البلاد منذ العام 2011.

ويشدد المحلل على أن مصر تريد أن تكون سوريا مستقلة مستقرة، خالية من الجماعات الإسلامية المتطرفة والقواعد العسكرية الأجنبية، حتى "نعود كما كنا جناحين لطائر واحد"، على حد تعبيره.

مشاركة المقال: