الأحد, 13 يوليو 2025 10:37 AM

القامشلي: قرار حكومي يشعل أسعار السيارات ويشل حركة البيع والشراء

القامشلي: قرار حكومي يشعل أسعار السيارات ويشل حركة البيع والشراء

يشهد سوق السيارات في مدينة القامشلي ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار، يعود السبب الرئيسي فيه إلى القرار الأخير للحكومة السورية الذي يمنع استيراد السيارات المستعملة ويقتصر على الجديدة فقط. هذا القرار فاقم الأزمة، حيث قفزت الأسعار بما يتراوح بين 2000 و3000 دولار، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في حركة السوق وشبه توقف عمليات البيع.

تاجر يصف الأزمة

أبو خليل، وهو تاجر سيارات معروف في القامشلي وصاحب مكتب نشط في السوق، وصف تأثير القرار الحكومي بأنه كارثي. وأوضح في حديث لموقع سوريا 24 أن القرار أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار وانخفاض حاد في المبيعات. وأشار إلى أنه قبل القرار، كانت السيارات الأوروبية المستعملة متوفرة بأسعار معقولة، بينما كانت السيارات ذات اللوحات السورية (النظامية) أغلى ثمناً. بعد تراجع سيطرة الحكومة في المنطقة، تساوت الأسعار بين القامشلي وبقية مناطق محافظة الحسكة، لكن القرار الأخير أعاد الفوارق ورفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

كما أشار أبو خليل إلى أن تغير السيطرة العسكرية في مدينة منبج ساهم في تأزيم السوق، حيث كانت منبج محطة مهمة لتجار القامشلي في استيراد السيارات وتأمين قطع الغيار. ومع تزايد صعوبات الحركة والتأمين، أصبح الوصول إلى هذه الموارد مكلفاً ومعقداً. وأوضح أن معظم الزبائن يفضلون السيارات التي تعمل على الديزل لانخفاض تكلفتها التشغيلية وسهولة صيانتها مقارنة بسيارات البنزين. ومع ذلك، تراجع الطلب على الشراء بشكل كبير، وأكد أنه لم يتمكن من بيع أي سيارة طوال الأسبوع الماضي، وهو أمر لم يشهده منذ سنوات.

أسعار تتجاوز القدرة الشرائية

أكد أبو خليل أن أسعار السيارات الحالية مرتفعة بشكل يصعب تحمله. فعلى سبيل المثال، تُعرض سيارات من نوع "جيب سي إم" بأسعار تتراوح بين 8500 و12500 دولار، حسب سنة الصنع والحالة العامة، بينما كانت تباع سابقاً بأسعار تتراوح بين 7000 و10000 دولار. أما السيارات من موديلات 2018 وما فوق، فقد أصبحت تُباع بأسعار تبدأ من 20 ألف دولار. وحتى الطرازات الاقتصادية مثل "كيا ريو"، التي كانت تُعرض بحالة جيدة مقابل 5500 دولار، أصبحت تُباع اليوم بأسعار تتراوح بين 5000 و7000 دولار. وينطبق الأمر نفسه على سيارات "أفانتي"، التي شهدت ارتفاعاً مماثلاً.

مواطن يبيع أرضه ويُفاجأ بالواقع

محمد أمين، البالغ من العمر 42 عاماً، وهو موظف سابق في محكمة تتبع للنظام السابق، اضطر بعد توقف راتبه إلى بيع قطعة أرض مساحتها دونمان بهدف شراء سيارة أجرة يعتمد عليها كمصدر دخل لإعالة أسرته. وقال محمد لموقع سوريا 24 إنه قصد سوق السيارات على أمل أن يجد سيارة مناسبة بسعر يتراوح بين 5000 و6000 دولار، لكنه فوجئ بأن الأسعار لا تقل عن 7000 دولار وقد تصل إلى 7500. وعلى الرغم من بيعه لأرضه، لم تكفِ المبالغ التي حصل عليها لشراء سيارة، مما اضطره للتفكير في الاستدانة. وأضاف: "الأسعار ارتفعت بشكل غير منطقي، وكل مكتب زرته برر الأمر بقرار الحكومة. ومع أن هذا القرار كان يفترض أن ينظم السوق، إلا أنه زاد من معاناة المواطن. بات امتلاك سيارة مستعملة عبئاً كبيراً، فما بالك بالسيارات الجديدة التي أصبحت حكراً على الطبقات الميسورة."

انعدام الرقابة ومصالح التجار

هوزان، وهو تاجر من المدينة يبلغ من العمر 38 عاماً، يرى أن الغلاء لم يعد مقتصراً على سوق السيارات فقط، بل شمل أيضاً كافة السلع الأساسية، من المواد الغذائية إلى المحروقات. ويؤكد أن التجار يرفعون الأسعار وفق أهوائهم، مستغلين غياب الرقابة الفعلية. وقال هوزان لموقع سوريا 24: "الوضع لم يعد يُحتمل. كل قرار جديد يصدر يُستخدم كذريعة من قبل التجار لرفع الأسعار، حتى القرارات التي قد تخدم المصلحة العامة تحولت إلى أدوات لتبرير الاحتكار والربح غير المشروع." وأضاف أن المنطقة، رغم افتقارها للتواصل المباشر مع الداخل السوري في بعض الفترات، كانت تشهد أسعاراً أكثر استقراراً. أما اليوم، فباتت الأسواق بلا ضوابط، ولم يعد المواطن قادراً على مواكبة هذه التقلبات.

أزمة تتعمق والمواطن يدفع الثمن

ما يجري في سوق السيارات بالقامشلي يعكس أزمة أوسع: توترات أمنية، غياب الرقابة، واستغلال واضح من قبل التجار. والنتيجة سوق مغلقة في وجه المواطن العادي، وأسعار تجاوزت حدود القدرة الشرائية. في ظل هذه الظروف، باتت السيارة – حتى المستعملة منها – حلماً بعيد المنال. المواطن الذي باع أرضه لم يتمكن من شراء وسيلة رزق، والتاجر الذي عمل لسنوات طويلة عاجز اليوم عن بيع مركبة واحدة. ويبقى السؤال معلقاً: هل هناك من يسمع صوت المواطن؟ أم أن القرار يُتخذ في مكان، ويُترك المواطن وحده لمواجهة العواقب؟

مشاركة المقال: