لا يزال مصير السوريين المحتجزين في السجون اللبنانية معلقاً، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على انتهاء حقبة النظام السابق، في ظل سعي بيروت للحفاظ على علاقات جيدة مع دمشق. تشير التقديرات إلى وجود حوالي ألفي سوري في السجون اللبنانية منذ عام 2011، غالبيتهم في سجن رومية، بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب دعمهم للثورة السورية، ويواجهون التعذيب وسوء المعاملة، وفقاً لتقارير هيومن رايتس ووتش.
على الرغم من تأكيد الرئيس اللبناني جوزيف عون على حرص بلاده على علاقات جيدة مع سوريا ورئيسها أحمد الشرع، خلال لقائه وفد مجلس العلاقات العربية والدولية في بيروت، الجمعة، لم يطرأ أي تقدم في هذا الملف، بينما تدعو دمشق إلى حله في أسرع وقت ممكن.
يعزو الكاتب والمحلل السياسي السوري مصطفى النعيمي، في حديث لـ "حلب اليوم"، التأخير في حل ملف المعتقلين في سجن رومية إلى طبيعته السياسية، حيث يُستخدم كورقة ضغط سياسي على الدولة السورية من قبل بعض الأطراف اللبنانية. وأشار إلى أن العديد من المعتقلين اعتقلوا بسبب مشاركتهم في الثورة السورية، وأن بعض القوى اللبنانية التي كانت تدعم النظام السابق لا تزال تسيطر على مفاصل في الدولة اللبنانية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والسجون، وتسعى إلى "النكاية" بالإدارة السورية الجديدة.
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري حسام نجار أن ملف المعتقلين السوريين في لبنان شائك ويستخدم سياسياً من قبل العناصر المسيطرة على مراكز القيادة الأمنية والسجون، التابعة لحزب الله والمتعاملين معه، في الدولة اللبنانية التي ما زالت مختطفة رغم تعيين رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء.
وأوضح أن الأحكام الصادرة بحق المعتقلين تمنع إطلاق سراحهم لأنها نُفذت وفق القوانين والاتهامات التي ساقها عناصر الحزب وتوابعه، مطالباً بتحرك الدولة السورية للمطالبة بهم وتعيين محامين، مشيراً إلى أن الاتهامات كيدية وأن معظم المعتقلين هاربون من نظام الأسد ومعارضون له، بالإضافة إلى وجود ضباط وعناصر عسكريون منشقون.
وشدد نجار على أهمية تفعيل الدور الحكومي في هذا الملف وتشكيل فريق من القانونيين والمحامين، مع العمل من خلال القنوات الدبلوماسية. ويرى النعيمي أن الإطار القانوني المعقد يساهم في تعقيد المسألة، مثل الحبس الاحتياطي المفتوح للمتهمين بالإرهاب، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وعدم فتح تحقيقات في حالات الوفاة. ووثقت منظمات حقوقية وفاة نحو 29 سجيناً سورياً في سجن رومية بسبب الإهمال الطبي وحالات انتحار، دون فتح تحقيقات من قبل قوى الأمن الداخلي اللبنانية.
ويلفت النعيمي إلى التمييز بين فئات المعتقلين، فهناك لاجئون سوريون عاديون وجنود من "الجيش الحر" لجأوا إلى لبنان هرباً من الحرب، ومسلحون متورطون في معارك عرسال 2014 وعناصر متهمة بتفجيرات انتحارية، وفقاً للسلطات اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني لبنان من أزمات سياسية واقتصادية مركبة، مما يؤثر على قدرته على معالجة هذه القضايا بفاعلية، فضلاً عن الاكتظاظ في سجن رومية والظروف القاسية.
نقلت قناة "الإخبارية" السورية عن مصدر في وزارة الإعلام السورية تأكيد دمشق على أولوية ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، وضرورة معالجته بأسرع وقت عبر القنوات الرسمية. ونفى المصدر وجود إجراءات تصعيدية ضد لبنان بسبب هذا الملف. وأشارت القناة إلى وجود مواطنين سوريين في سجن رومية بتهم مختلفة، بعضها يتعلق بالإرهاب، وتطالب الحكومة السورية بالإفراج عنهم.
ونقلت جريدة "الشرق الأوسط" عن مصدر رسمي لبناني أن ملف السجناء السوريين لا يزال في صلب اهتمام المراجع السياسية والقضائية والأمنية، ويجري التعامل معه بالطرق القانونية، مؤكداً استعداد لبنان للتعاون في تسليم السجناء الذين تنطبق عليهم شروط التسليم دون مخالفة القوانين.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قد التقى الرئيس الشرع في دمشق في نيسان الماضي، وبحث معه قضايا عدة من بينها الموقوفون السوريون في لبنان.
ويشير النعيمي إلى غياب الإرادة السياسية الواضحة لحل هذا الملف، مما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات اللبنانية السورية. ويرى أن الإدارة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تعتبر ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية قضية أساسية وشرطاً لأي تعاون سياسي أو اقتصادي، وقد تلوح دمشق بخطوات تصعيدية ضد الحكومة اللبنانية، مثل فرض قيود على حركة الشاحنات اللبنانية العابرة للأراضي السورية.
ويحذر النعيمي من أن استمرار احتجاز الآلاف من السوريين في ظروف غير إنسانية، قد يؤدي إلى تفاقم معاناتهم ومعاناة ذويهم، ويزيد من احتمالية وقوع اضطرابات داخل السجون.
وفيما يتعلق بجدية الحكومة اللبنانية في حل الملفات العالقة مع سوريا، يرى النعيمي أن هناك مؤشرات متضاربة، لكن التوجه العام يشير إلى رغبة لبنانية متزايدة في حل هذه الملفات، خاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا. وأعلنت المديرية العامة للأمن العام عن إجراءات لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، وأطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) برنامج العودة الطوعية المنظمة ذاتيًا. وتشير تقارير إلى بدء عودة آلاف اللاجئين السوريين من لبنان في إطار خطة تدعمها الأمم المتحدة وتنسيق مع الجانب السوري.
أما مسألة ترسيم الحدود التي تمتد على طول 375 كيلومترًا، فقد توقف العمل عليها بسبب الحرب التي قادها نظام الأسد البائد على الشعب السوري. وبدأ العمل على ملف إعادة ترسيم الحدود في مارس 2025، ووقع وزيرا الدفاع اللبناني والسوري اتفاقًا مبدئيًا في جدة. وقدم مبعوث الولايات المتحدة مقترحًا إلى لبنان تضمن إصلاح العلاقة مع سوريا وضبط الحدود وصولًا إلى ترسيمها، كما تسلم لبنان من فرنسا وثائق تاريخية بشأن ترسيم الحدود.
وأكد نائب رئيس الحكومة اللبنانية على أن التعاون مع سوريا ركيزة أساسية لحل ملف اللاجئين، وشدد رئيس الحكومة نواف سلام على إطلاق تعاون مباشر مع سوريا في مسألتي عودة اللاجئين والحدود.
ويرى النعيمي أن سقوط نظام الأسد في سوريا يمثل تحولاً مفصلياً في العلاقات السورية اللبنانية، وأن التوقعات تتجه نحو مسار جديد وأكثر توازناً واستقلالية، لكنه سيواجه تحديات معقدة. ويتوقع علاقات أكثر توازناً واحتراماً للسيادة، وأن لبنان قد يتمكن من اتخاذ قراراته المستقلة دون تدخل سوري مباشر.
ويعتقد النعيمي أن العلاقات السورية اللبنانية ستشهد مرحلة جديدة تتسم بمحاولة بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأن هناك فرصاً حقيقية لحلحلة الملفات العالقة، مثل اللاجئين والمعتقلين وترسيم الحدود.
وكان الجيش اللبناني قد أعلن أمس عن توقيف 56 سوريا بدعوى تجولهم داخل أراضي البلاد دون أوراق ثبوتية، في مناطق أنفه وبشمزين وأميون بقضاء الكورة، وعند حاجز المدفون العسكري في مدينة البترون، وفي منطقة الدورة في قضاء المتن.