وسط ترقب شديد، يراقب المشهد السياسي الليبي عن كثب ما يُعرف بـ "الخطة الأميركية" التي يُفترض أن تفضي إلى "تسوية سلمية" تضع حداً لحالة الانقسام السياسي والعسكري المستمرة في البلاد منذ أكثر من عقد. وقد أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن هذه الخطة، دون الخوض في تفاصيلها، موجة من التكهنات بين السياسيين والمحللين الليبيين، خاصة بعد تصريح مستشاره للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، حول ضرورة "إقامة انتخابات رئاسية عادلة ومنصفة وشفافة، ومُرضية للجميع".
يرى بعض السياسيين الليبيين أن الحل الأميركي للأزمة قد يتجه نحو "تغيير جذري". وفي هذا السياق، رجح رئيس الائتلاف "الليبي – الأميركي"، فيصل الفيتوري، أن تتجه إدارة ترمب إلى "تعيين مبعوث رئاسي خاص لليبيا بصلاحيات واسعة، يعمل بالتوازي مع مسار الأمم المتحدة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بالكامل". وأوضح الفيتوري أن رؤيته لهذا السيناريو تقوم على "حلّ أو تجميد الأجسام الحالية باعتبارها عائقاً أمام الحل، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة وممثلة لكل المكونات الليبية، لم تشارك سابقاً في أي من أجهزة الحكم".
تجدر الإشارة إلى أن الأجسام السياسية القائمة على الحكم حالياً هي البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة، والحكومتان في غرب ليبيا وشرقها. وسبق أن طرح خبراء ليبيون خطة حل سياسي بإشراف أممي، تضمنت تشكيل لجنة حوار سياسي بهدف التوصل إلى حلول بشأن قوانين الانتخابات، والسلطة التنفيذية والدستور الدائم.
وتشير تقديرات رئيس الائتلاف "الليبي- الأميركي"، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، إلى احتمال "عقد مؤتمر دولي، على غرار (مؤتمر الطائف 1989) الذي نزع فتيل الحرب الأهلية اللبنانية". ويرى الفيتوري أن هذا المسار لن يكون بمنأى عن مقاربة "العصا والجزرة"، مرجحاً "تفعيل محكمة الجنايات الدولية وقانون الاستقرار المعتمد من مجلس الشيوخ الأميركي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لملاحقة معرقلي الاستقرار"، مقابل "الإفراج التدريجي عن الأموال الليبية المجمدة لدعم الحكومة الجديدة، ضمن شروط شفافية دولية صارمة".
وكان المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد أعرب عن تفاؤله بتحقيق نجاح دبلوماسي في ليبيا، حيث صرح في حوار مع صحيفة "ذي أتلانتيك" في مايو (أيار) الماضي، بأن واشنطن ستحقق "نجاحاً في ليبيا، وستسمعون عنه سريعاً".
في المقابل، استبعد المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، أن يأتي الحل الأميركي عبر "جلوس جميع الأطراف السياسية إلى طاولة الحوار". وتوقع، في تصريحه لـ"الشرق الأوسط"، أن "تقصي إدارة ترمب أحد أطراف الأزمة في ليبيا، على أن تقوي طرفاً واحداً، وتسلمه مفاتيح الحل للذهاب نحو انتخابات رئاسية أو برلمانية خلال مدة أقصاها عام". ويستند الأوجلي في رأيه إلى أن "واشنطن تريد إبعاد ليبيا عن أي محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار، أو إشعال حرب بين أطراف النزاع"، مشيراً إلى اعتقاده بقناعة أميركية بأن "خلافات أطراف الأزمة متعمقة".
من جهة أخرى، لا تتوقع عضوة البرلمان الليبي ربيعة بوراص أن يتم الإطاحة بالأجسام السياسية القائمة، قائلة إن "إدارة ترمب ستولي اهتماماً كبيراً بإدارة التوازنات وضمان المصالح الأميركية في ليبيا بقدر أكبر من تفاصيل العملية السياسية". وتوقعت أيضاً أن تكون خطة البيت الأبيض "براغماتية، وتركز على الصفقات الاقتصادية أكثر من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وتشير ربيعة بوراص، في تصريحات لـ"الشرق الأوسط"، إلى شرط جوهري لنجاح واستدامة أي خطة، وهو أن "تعكس تطلعات الشعب الليبي في بناء دولة موحدة ذات سيادة، بعيداً عن أي إملاءات، أو حلول مفروضة من الخارج لا تراعي حقوق ومصالح الليبيين".
ويرى مراقبون أنه لا يمكن عزل أي حل أميركي مرتقب عن الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف الليبي، باعتبار أن ليبيا حلقة من سلسلة حلقات الصراع الدولي على النفوذ والمصالح.
ووفق هذه الرؤية، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طرابلس، أحمد الأطرش، أن "فرص نجاح المسار الأميركي للحل يعتمد على التوافقات بشأن إعادة رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة، مع ترتيبات تقاسم المصالح والنفوذ في ليبيا من قبل القوى الدولية والإقليمية". ويتحدث الأطرش عما وصفه بأنه "تيار مناوئ (تكتيكياً) للسياسة الخارجية الأميركية، ضمن دائرة الدول الفاعلة في النظام الدولي، والدائمة العضوية في مجلس الأمن".
ويستند الأطرش إلى "عمق تداخل بعض الدول في الشأن الليبي، وهشاشة الأوضاع الأمنية التي قد تكون لها تداعيات خطيرة على المصالح الأجنبية في المنطقة، وتلويح سلطات الأمر الواقع بالرضوخ للضغوطات الأجنبية والتمسك بالسلطة".
في المقابل، لا يرى بين فيشمان، العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، دليلاً على تغير السياسة الأميركية تجاه ليبيا، وفق ما قال لـ"الشرق الأوسط". ويعتقد فيشمان، وهو باحث في معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، أن تصريح ترمب بشأن خطة التسوية السياسية الليبية "كان عابراً"، مستنداً في ذلك إلى أن مستشاره مسعد بولس لم يشارك في اجتماع برلين الدولي حول ليبيا في 20 يونيو (حزيران) الماضي".
وكان ترمب قد فرض، الأسبوع الماضي، رسوماً جمركية على عدة دول بنسبة 30 في المائة من بينها ليبيا، وهو الأمر الذي اعتبر أنه لا يمثل انعكاسات سلبية على الليبيين. ومن مؤيدي هذه الرؤية الخبير الاقتصادي الليبي عمر زرموح، الذي يقول إن "ليبيا ليست لديها صادرات سلعية إلى أميركا عدا النفط الخام، ونسبة ضئيلة من مشتقات النفط، وحسب تصريحات ترمب المتداولة فإن النفط غير مشمول".
ويضيف زرموح لـ"الشرق الأوسط": "حتى لو فرضت الرسوم على النفط فإنه ليس من الصعب على ليبيا إيجاد أسواق بديلة لنفطها الخام المتميز بالجودة العالية".
في المقابل، فإن هذا القرار يضع عراقيل أمام بولس في مسعاه للبحث عن فرص اقتصادية في ليبيا، أخذاً في الاعتبار القرار السابق بتقييد تأشيرات الدخول الليبيين لأميركا، وفق فيشمان.