دمشق-سانا لم يكن للعرب قبل الإسلام تقويم خاص بهم، بل اعتمدوا على تسمية الأعوام نسبةً إلى الأحداث البارزة، مثل عام "سيل العرم" وعام "الفيل". ومع ظهور الإسلام، ارتبط التقويم بأحداث الدعوة، فأُطلقت أسماء مثل عام "الحزن" وعام "الخندق".
يذكر كتاب "تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي أن السنة الهجرية الأولى بدأت عندما أذن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة. ورغم أن بعض المراجع تشير إلى بدء التقويم الهجري في عهد النبي، يؤكد الحافظ ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" أن عمر بن الخطاب هو من أمر بوضعه.
عمر بن الخطاب ووضع التقويم الهجري
مع اتساع الدولة الإسلامية، ازدادت الحاجة إلى تقويم يميزها. بعد تزايد المراسلات إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ظهرت ضرورة حفظها وتوثيقها. يذكر ابن الأثير أن أبا موسى الأشعري والي البصرة أرسل إلى عمر رسالة يطلب فيها وضع تاريخ للرسائل. فجمع عمر الصحابة، واقترحوا التأريخ بالتقويم الفارسي أو الروماني، لكنه رفض حفاظاً على هوية الدولة الإسلامية. واقترح علي بن أبي طالب اعتماد الهجرة بدايةً للتاريخ، فوافق عمر، وبدأ التقويم الهجري في جمادى الآخرة سنة 17 هجرية، الموافق لشهر تموز سنة 638 ميلادية. واعتمد المسلمون نفس الأشهر العربية القديمة، بدءاً بمحرم وانتهاءً بذي الحجة.
رأس السنة الهجرية زمن الأمويين والعباسيين
استمر العمل بالتقويم الهجري في عهد الأمويين والعباسيين، دون اهتمام خاص ببداية العام أو نهايته. بدأ الاهتمام الاحتفالي مع الخليفة العباسي المتوكل على الله، الذي أمر بتغيير كسوة الكعبة في غرة محرم، كما ذكر ابن الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم". وأصبح الخلفاء من بعده يحيون ليلة رأس السنة بقراءة القرآن والدعاء.
تحول مطلع العام الهجري إلى مناسبة احتفالية
بلغ الاحتفال برأس السنة الهجرية ذروته في عهد الفاطميين بمصر، حيث يذكر المقريزي في "السلوك لمعرفة دول الملوك" أن الخلفاء الفاطميين كانوا يحتفلون بأول محرم بوجبات فاخرة وحلويات توزع على أصحاب الرتب. وكان الخليفة الفاطمي يتخذ موكباً مهيباً ويوزع الأموال على رعيته.
في عهد المماليك، أخذ الاحتفال طابعاً رسمياً، حيث كان السلاطين يعقدون مجالس دعاء وقراءة قرآن في قلعة القاهرة ليلة أول محرم. وعادت مواكب الاحتفال في عهد العثمانيين، وتحولت إلى مراسم سلطانية في اسطنبول، كما وصف الرحالة التركي أوليا جلبي في "سياحت نامة".
يبقى الاحتفال برأس السنة الهجرية بين من يعتبره إحياء لذكرى استقبال المهاجرين والأنصار، وبين من يرى أنه لم يكن موجوداً في العهود الإسلامية الأولى. لكن المؤكد أن هذه المناسبة أسست لظهور الحضارة الإسلامية التي نشرت العلم والأخلاق.
تابعوا أخبار سانا على