حصد الفيلم الوثائقي "وما أدراك ما صيدنايا" برونزية الأفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان "تيللي أوورد" الدولي، في أواخر أيار الماضي. ويوثق الفيلم معالم سجن "صيدنايا"، الذي يمثل معاناة كبيرة لأغلبية السوريين، الذين عانوا مرارة فقد أقاربهم داخله، ويعكس الناحية التاريخية لهذا السجن، الذي افتتح أواخر الثمانينيات كمركز عسكري، لكنه سرعان ما تحوّل إلى رمز للقمع والتعذيب.
ويعرض الفيلم كيفية استخدامه لقمع المعارضين السياسيين والعسكريين، خاصة مع بداية الثورة السورية، حيث تحول إلى مكان للإعدامات الجماعية والعنف. يتناول الفيلم شهادات معتقلين سابقين، رووا معاناتهم، ويتطرق لتصميم السجن المعقّد، وزنزاناته الضيقة، وغرف الإعدام، كما يعرض سيناريو التعذيب اليومي، من الضرب والصعق الكهربائي، إلى التجويع والتعذيب النفسي.
مخرج العمل عبدو مدخنة، قال لعنب بلدي، إن دوافع إنتاج الفيلم تمحورت حول ما لفته مع سقوط النظام، وهو التزامن بين تحرير دمشق وتحرير السجناء عمومًا، وسجن "صيدنايا" على وجه الخصوص. "ومنذ هذه اللحظة، بطبيعة الحال، وضعنا نصب أعيننا (صيدنايا) كنموذج عن معسكرات الاعتقالات التي تحولت الى مصانع للموت، ولنرصد رحلة المعتقل من لحظة اعتقاله"، بحسب ما أوضح مدخنة.
ويعتبر سجن "صيدنايا" النموذج الأكثر تعبيرًا عن قسوة النظام، ناهيك بشهرة هذا المعتقل، وامتداد أحداثه البارزة إلى عقدين قبل الثورة.
النقطة الأساسية التي انطلق منها الفيلم، وفق توصيف مدخنة، هي الابتعاد عن الأفكار المسبقة، والتعامل مع المكان كمسرح جريمة، ترفع من خلاله بصمات الأحداث بعد دخوله مباشرة عقب التحرير.
صرخة في وجه الاستبداد
يعتبر "ما أدراك ما صيدنايا" محطة وثائقية مؤلمة، تحمل في طيات مشاهدها ذاكرة القسوة واللوعة، إذ تروي العديد من الحكايات خلف قضبانها. المخرج مدخنة، أكد أن الفيلم يركز على قصة السجن كنموذج يعبر عن السجون باعتبارها أداة قمع رئيسة بيد النظام، مارس من خلالها أبشع الفظائع بحق السوريين وغير السوريين.
وشرح الفيلم أقسام السجن ومراحله التاريخية، وبحث عن معتقلين من كل مراحل السجن، مبتعدًا عن الفهم السابق له، وبدأ صناعه رصد مرافقه بعيون ولسان أشخاص، لديهم قدرة خاصة على سرد وتكثيف الأحداث التي عايشها السجن خلال 37 سنة.
وأشار مدخنة إلى أن رسالة الفيلم موجودة بخاتمته، وهي صرخة في وجه الاستبداد، وشهادة تدفع المجتمع السوري لنبذ الاستبداد، مهما كان شكله أو لونه.
ولفت إلى أن الفيلم يشارك في عدة مهرجانات وفعاليات دولية، آخرها مهرجان "تيللي أوورد" الدولي، الذي حصد فيه برونزية الأفلام الوثائقية الطويلة.
الافلام الوثائقية
تعد الأفلام الوثائقية أكثر من مجرد صناعة فنية، فهي سجل حي للواقع، وسلاح فعال في مقاومة التجهيل، وتحقيق العدالة. ومع تزايد إنتاج هذه الأفلام وانتشارها عبر المنصات الرقمية، تظل رؤيتها كوسيلة توثيق مهمة لضمان سماع صوت الحقيقة، في زمن تتراكم فيه المعلومات وتختلط الحقائق بالخيالات.
المخرج مدخنة، اعتبر أن الفيلم الوثائقي هو جنس لا يموت مع الزمن، ربما بعكس الكثير من الأنواع الأخرى، التي تعيش لفترات أقل، ومن هنا تنبع أهميته، لا سيما أنه يلتقط اللحظة دون أن يتدخل في صناعتها، ومن هنا يكسب مصداقيته.
وفي هذا الفيلم، "اكتشفنا نحن والكاميرا بذات الوقت، غرف الإعدام، وهذا كان واضحًا، واستطاع أن ينقل هول المكان، لأنه وثائقي، ومن هنا تبرز أهمية الفيلم الوثائقي"، بحسب مدخنة.
وعن متطلبات الصناعة الوثائقية، يعتقد مدخنة أن الفيلم الوثائقي كغيره من الفنون، يحتاج إلى سقف مرتفع من الحريات، وتسهيلات الوصول إلى المعلومات والوثائق السرية، وتوفر قدرات مالية ترفع من مستوى الإنتاج ليرتقي إلى مستوى عالمي.