"ماكرون، لستَ وحيداً". هذا ما تردده مواقع التواصل الاجتماعي في تونس منذ انتشار مقطع الفيديو الذي تظهر فيه السيدة الأولى الفرنسية وهي تصفع زوجها، الرئيس إيمانويل ماكرون. التونسيون تلقّفوا الحادثة بكثير من السخرية، لكنها شكّلت أيضاً مناسبة لإعادة فتح النقاش حول ظاهرة العنف ضد الرجال، خصوصاً الأزواج.
الظاهرة المسكوت عنها "كلّنا ماكرون، لكن لسوء حظّه فُضح أمره"، واحدة من أكثر الجمل تداولاً بين رجال تونسيين علّقوا على حادثة صفع بريجيت لزوجها. لكن هذا التعليق، وفق ما يقول الرئيس السابق لجمعية الدفاع عن حقوق الرجل والأسرة حاتم المنياري، يكشف في الواقع عن ظاهرة مسكوت عنها. في بلد تفخر فيه النساء بترسانة من القوانين التي تدافع عن حقوقهن، من بينها قانون "ثوري" سُنّ عام 2017 يُجرّم العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، يتذمّر بعض الرجال من غياب النقاش بشأن العنف ضد الزوج. وفي تجربة نادرة، أقدم تونسي عام 2009 على تأسيس مركز لإيواء الرجال المُعنَّفين من قبل زوجاتهم، لكنه أعلن عن إغلاقه في العام التالي.
يقول المنياري، في حديث مع "النهار"، إن العنف ضد الرجل، أو تحديداً العنف المرتكب من الزوجة ضد زوجها، ارتقى إلى مرتبة "الظاهرة"، مشدداً على أنه من المسكوت عنه في تونس، رغم خطورتها التي تكشف عنها بعض الأرقام. يتحدث المنياري أيضاً عمّا أسماه "العنف التشريعي" المرتكب ضد الرجل، موضحاً: "عندما تتوجه المرأة في تونس إلى القضاء لتقديم شكوى ضد زوجها، تجد آذاناً صاغية وأصواتاً تدافع عنها وتُدين ما تعرّضت له، وقد تصدر المحاكم لفائدتها أحكاماً قاسية".
في المقابل، يلفت إلى أن "الرجل، حين يتعرض للعنف من قِبل زوجته، فإنه لا يلقى التفاعل ذاته، لا من المجتمع الحقوقي ولا أحياناً من القضاء". ويؤكد أنه لا توجد تشريعات تحمي الرجال إذا تعرّضوا للعنف من زوجاتهم، كما هو الحال بالنسبة إلى النساء. ويرى أن التعامل مع قضايا العنف الأسريّ يتمّ بمكيالين، قائلاً: "عندما تتعرض الزوجة للعنف، يُستنفر المجتمع المدني والحقوقي لإدانة ما جرى، أما إن تعرّض له الزوج، فتسود حالة من اللامبالاة".
ويشير المنياري إلى أن دراسات سابقة للجمعية كشفت أن نحو 10% من الرجال في تونس تعرّضوا للعنف الجسدي، وأن أكثر من 40% تعرّضوا للعنف المعنوي واللفظي، مثل التهديد، والإهانة، والابتزاز، والحرمان من رؤية الأطفال. ويؤكد أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، مضيفاً: "قد تكون الأرقام أعلى بكثير". أما عن أسباب غياب النقاش، فيُرجعها إلى عوامل ثقافية واجتماعية، ويرى أن "الخوف من الوصم المجتمعي يدفع الرجل إلى الصمت وعدم البوح بما يتعرض له، لأن الرجل المُعنّف، في نظر المجتمع، منقوص الرجولة والكرامة".
تداعيات الظاهرة يعتبر المنياري أن انعكاسات هذه الظاهرة خطيرة على الأسرة والمجتمع ككل، موضحاً: "العنف مرفوض في كل الأحوال، أياً كان مرتكبه، رجلاً كان أم امرأة"، لكنه يشدّد على أن "الرجل المُعنّف يفقد ثقته بنفسه، وفي رجولته، وفي قدرته على تسيير شؤون أسرته"، مضيفاً أن "العديد من حالات الطلاق سببها تعرض الرجل للإهانة والعنف".
ويختم بالقول إن "العنف ضد الرجل هو ظاهرة حقيقية في تونس، كما في بقية المجتمعات، رغم إنكار المجتمع لها"، مضيفاً: "لمعالجة الظاهرة، لا بد من وعي مجتمعي بأهمية النقاش حولها وإيجاد حلول عملية لها".