تستعد الحكومة اللبنانية لاستقبال وفد سوري برئاسة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لمناقشة ملفات حيوية للبلدين، وعلى رأسها قضية اللاجئين السوريين وملف ضبط الحدود المشتركة.
أشار نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، إلى أن هذه الزيارة قد تمثل نقطة تحول في معالجة الملفات المعلقة، بما في ذلك عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم، وترسيم الحدود المشتركة وضبطها. كما سيتم التطرق إلى ملف المعتقلين وقضايا المفقودين اللبنانيين في سوريا، بهدف إعادة صياغة العلاقات الثنائية على أسس من "الندية والاحترام المتبادل"، وفقًا لتصريحات متري التي نشرتها صحيفة "المدن" اللبنانية.
من المتوقع أن تتم الزيارة قبل نهاية الشهر الحالي، ويشدد متري على أهمية "توثيق العلاقة بين البلدين، وإدراك كل طرف أن استقرار البلد الآخر يمثل أولوية ومصلحة مشتركة".
وفي سياق متصل، أعرب متري عن تفاؤله بشأن الخطة الموضوعة لإعادة اللاجئين السوريين، مؤكدًا على أهمية التعاون مع السلطات السورية والأمم المتحدة، وخاصة "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" و"منظمة الهجرة الدولية"، كركيزة أساسية لإنجاح هذه الجهود، مع التشديد على ضرورة "ضبط التسلل غير الشرعي" وتفعيل دور الأمن العام في هذا المجال.
أوضح متري أن السلطات السورية والأمم المتحدة قد وضعتا خطة تنفيذية تم اعتمادها من قبل اللجنة الوزارية لتسهيل العودة وتقديم الحوافز للسوريين الراغبين في العودة إلى وطنهم. ويرى متري أنه في حال "التعاون الجاد مع الدولة السورية، لن تكون هناك عقبات كبيرة تعترض طريق هذا المسعى". وتؤكد وكالات الأمم المتحدة على أن تنفيذ الخطة سيكون ممكنًا بالبدء بالسوريين الذين أبدوا استعدادهم للعودة.
تجنب متري الخوض في أرقام محددة، لكنه أكد أن "هناك مئات الآلاف من السوريين الذين أبدوا استعدادًا للعودة السريعة بحلول أيلول المقبل، وسيتم البدء بهم في المرحلة الأولى".
في 8 حزيران الحالي، تم الإعلان عن إنجاز المرحلة الأولى من خطة جديدة لعودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، والتي ستبدأ قبل بداية العام الدراسي في أيلول 2025. وأشار متري إلى صعوبة تحديد الأعداد المتوقعة، لكنه توقع أن تتراوح بين 200 و300 ألف شخص، اعتمادًا على نجاح العملية. وأظهر استطلاع رأي أجرته مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان التابعة للأمم المتحدة أن جزءًا كبيرًا من اللاجئين السوريين أبدى استعداده للعودة.
أكد متري أن الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع لا تعارض عودة اللاجئين، على الرغم من قلقها بشأن الظروف المعيشية والسكنية، مما يجعل العودة الطوعية ممكنة على مراحل. ستنقسم آلية العودة إلى قسمين: منظمة وغير منظمة. في الحالة الأولى، سيتم تسجيل الأسماء وتأمين حافلات لنقلهم إلى الداخل السوري، مع حصول كل نازح على مبلغ 100 دولار. أما في الحالة الثانية، فسيكون على النازح تحديد موعد المغادرة وتأمين وسيلة النقل، ولكنه سيحصل أيضًا على 100 دولار. وأشار إلى أن الأمن العام اللبناني سيعفي المغادرين من الغرامات المترتبة عليهم نتيجة إقامات منتهية الصلاحية، مع شرط عدم العودة إلى لبنان.
وشدد متري على أن الترحيل القسري الجماعي غير وارد، وذكر أن الحكومة اللبنانية تلقت وعودًا بدعم الهيئات المانحة وبعض الدول للعائدين إلى سوريا للاستقرار هناك، وتجنب العودة بطريقة غير شرعية إلى لبنان لأسباب اقتصادية.
مزارع شبعا وسفير جديد
تداولت الصحف اللبنانية تحليلات ومعلومات حول ما ستتضمنه زيارة الشيباني إلى بيروت، في ظل وجود العديد من الملفات العالقة بين البلدين. نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر وصفتها بـ "المتابعة للملف الإقليمي" أن زيارة الشيباني تستهدف استكمال الحوار الذي بدأ مع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، خاصة في الملف القضائي الخاص بالموقوفين في سجون لبنان، حيث تطالب السلطات السورية بالإفراج عنهم أو تسليمها من يفترض به متابعة حكمه في سوريا. كذلك، تهتم دمشق بملف ترسيم الحدود البرية المشتركة وضبطها، إضافة إلى الملف الفلسطيني الذي تعتبر سوريا نفسها معنية به في لبنان.
وقالت المصادر إن "سوريا بدأت تبحث في تعيين سفير جديد لها في لبنان، وإن الشيباني سيتحدث في هذا الأمر مع المسؤولين اللبنانيين".
لكن الملف الأهم يبدو أنه يتعلق بمزارع شبعا المحتلة، إذ يتردد في الآونة الأخيرة على مسامع المسؤولين اللبنانيين عن نية سوريا الإعلان أنها أراضٍ سورية، ما قد يفتح نزاعًا بين البلدين، على الرغم من أن جهات لبنانية كثيرة لا تمانع في اعتبار هذه الأراضي سورية، لأن في ذلك ما يعطل حجة المقاومة بالعمل على تحريرها.
وقالت المصادر إن "ملف شبعا نوقش سابقًا في الزيارات التي قام بها مسؤولون لبنانيون إلى سوريا، وإن الجانب السوري تحدث عن عملية مقايضة تقوم على تنازل سوري في الحدود الشرقية لمناطق متاخمة للقلمون الغربي من بينها بلدات شيعية داخل الأراضي السورية مقابل تثبيت شبعا حتى تكون جزءاً من مرتفعات الجولان، وهذا التبادل هو بسبب الوثائق التي تؤكد أن المزارع هي جزء من قضاء حاصبيا".
أما عن الشق الآخر من الزيارة، فهو يتعلق بالتموضع الجديد لسوريا، حيث تشير مصادر مطلعة إلى أن "القيادة السعودية طلبت إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة للمملكة تفويضها بالملفين السوري واللبناني، على أن تكون هي عرابة التفاهم لحكومة البلدين ومرجعيتهما السنية".
وأضافت مصادر الجريدة أن "الرياض حاليًا لديها نفوذ لا يستهان به في سوريا، وخاصة حين يتعلق الأمر بالملف اللبناني، حيث يتصرف معها المسؤولون السوريون كمرجعية، وهي من يحدد جدول الأعمال السوري المرتبط في لبنان".