تشهد مدينتا رأس العين وتل أبيض انخفاضًا ملحوظًا في أسعار الأضاحي مقارنة بعام 2024، وسط إقبال ضعيف من الأهالي على الشراء مع اقتراب عيد الأضحى. وفق جولة لمراسل عنب بلدي في سوق الأضاحي، تراوح سعر الخروف بوزن نحو 35 كيلوغرامًا من اللحم الصافي بين 1.3 مليون ليرة سورية ومليوني ليرة، بينما كانت الأسعار في عام 2024 تتراوح بين 3 و4 ملايين ليرة. أما الخراف التي يزيد وزنها على 45 كيلوغرامًا، فقد سجلت عام 2024 أسعارًا بين 5 و7 ملايين ليرة، في حين لم تتجاوز هذا العام 2.5 مليون ليرة. وبالنسبة للماعز، فيتراوح سعره هذا العام بين 700 ألف و1.2 مليون ليرة، مقارنة بمليوني ليرة عام 2024.
وفيما يخص الأبقار، فقد شهدت أسعارها أيضًا انخفاضًا وصل إلى النصف، إذ تُباع حاليًا بالدولار، وتراجعت من أسعار تتراوح بين 2500 و4000 دولار أمريكي في عام 2024، إلى ما بين 900 و1350 دولارًا هذا العام (بين 8.5 مليون ليرة سورية و12.5 مليون).
انخفاض غير مسبوق
انخفضت أسعار الأضاحي هذا العام بسبب قلة الأمطار والجفاف الذي أصاب مدينتي رأس العين وتل أبيض، ما أدى إلى تراجع المساحات الخضراء وشح المراعي الطبيعية التي يعتمد عليها مربو المواشي في تغذية قطعانهم. قرر علي المطران من بلدة تل حلف القريبة من سوق المواشي أن يضحي هذا العام عن والدته المتوفاة، وفاء لذكراها وتنفيذًا لوصيتها، فتعاون مع إخوته على شراء أضحية. وقال لعنب بلدي، إن انخفاض الأسعار هذا العام ساعدهم على شراء الأضحية دون الحاجة للاستدانة، مشيرًا إلى أن الإقبال على الشراء لا يزال ضعيفًا.
أما عدنان الإبراهيم، من سكان مدينة تل أبيض، فقال لعنب بلدي، إن انخفاض أسعار الأضاحي خفّف العبء عن كثير من العائلات، خاصة ممن كانوا يمتنعون عن الأضحية في السنوات الماضية بسبب ارتفاع التكاليف. وذكر أنه اشترى أضحية هذا العام بسعر 1.5 مليون ليرة سورية، بالتشارك مع شقيقه، في حين أن السعر ذاته كان في العام السابق قد تجاوز الـ3 ملايين ليرة سورية.
ووفقًا لإحصائيات صادرة عن مديريتي الزراعة والثروة الحيوانية في رأس العين وتل أبيض، فإن نحو 3200 عائلة تعتمد بشكل أساسي على تربية المواشي كمصدر رئيس للدخل والمعيشة. وتعرض قطاع الثروة الحيوانية والزراعة في المنطقتين لخسائر فادحة نتيجة موجات الجفاف التي ضربت المنطقة خلال عامي 2021 و2022، إذ تشير تقديرات المجالس المحلية حينها إلى نفوق نحو 150 ألف رأس من الأغنام في تلك الفترة، فضلًا عن تصحر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وجفاف العديد من آبار الري، ما فاقم تدهور الواقع الزراعي والرعوي.
جفاف وقلة مراعٍ
مربي الأغنام من بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض علاء مرزوق، قال لعنب بلدي، إنه يملك أكثر من 150 رأسًا من الأغنام، وقد سبب له الجفاف هذا العام وقلة المراعي ضائقة مالية كبيرة. وأوضح أن أسعار الأغنام والماعز وحتى الأبقار انخفضت إلى النصف، وربما أكثر، مقارنة بعام 2024، بسبب تراجع الطلب وارتفاع كلفة تربيتها، خاصة مع شح المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف. وفي محاولة لتقليل المصاريف اليومية، اضطر إلى خفض أسعار الأغنام لديه إلى النصف تقريبًا في سوق الأضاحي، بهدف بيع قسم منها وتأمين ثمن الأعلاف لما تبقى، وفق قوله. وأشار إلى ضرورة توفير الأعلاف بأسعار مدعومة من قبل الجهات المعنية، لدعم المربين الذين يواجهون ظروفًا قاسية تهدد مصدر رزقهم، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع الكثيرين إلى التخلي عن تربية المواشي نهائيًا، ما يتسبب في تراجع الإنتاج الحيواني بالمنطقة.
ركود رغم انخفاض الأسعار
رغم انخفاض أسعار الأضاحي، لا يزال الطلب منخفضًا بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى السكان، ما ينعكس على حركة البيع التي لا تزال تشهد ركودًا. وتتراوح أجور المياومة في رأس العين وتل أبيض بين 80 ألفًا و100 ألف ليرة سورية (ما يقارب 10 دولارات أمريكية)، وتختلف حسب عدد ساعات العمل ونوعية المهنة، سواء كانت زراعية أو إنشاءات.
علوان الكريم (55 عامًا) الذي يعمل سمسارًا في سوق الماشية برأس العين منذ أكثر من 20 عامًا، أوضح لعنب بلدي أن الانخفاض الحاصل في أسعار الأغنام هذا العام يشبه ما حدث في عامي 2021 و2023، حيث انخفضت أسعار المواشي حينها بنحو 60% تقريبًا. ورغم الانخفاض الواضح في الأسعار، لا يوجد إقبال كما هو متوقع، بسبب خسائر تعرض لها المزارعون في رأس العين، ما جعل غالبيتهم يعانون من الإفلاس، وفق قوله. وأشار إلى أن المعروض في السوق كبير، لكن الطلب قليل بسبب غياب القدرة المادية لدى غالبية السكان، ويجعل السوق يعاني من حالة ركود.
وتعد تربية الأغنام في منطقة رأس العين وتل أبيض وأرياف المنطقة الشرقية في سوريا من أعمدة الاقتصاد المحلي، وتشكل سلالة “العواس” الجزء الأكبر من ماشية تربية الأغنام في رأس العين، إلى جانب وجود أنواع مهجنة “الحمداني” و”الحموية”.
ويعاني قطاع الثروة الحيوانية في رأس العين وتل أبيض نقصًا مستمرًا في الأدوية البيطرية وارتفاع أسعارها، ووصول أدوية منتهية الصلاحية من معابر غير نظامية مع مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
اقرأ أيضًا: الجفاف يضرب سوريا.. حرب المياه قادمة