الخميس, 5 يونيو 2025 05:34 AM

داعش يتبنى أول عملية ضد إدارة الشرع ويستعد لحرب عصابات في سوريا: هل يشعل فتيل الفوضى؟

داعش يتبنى أول عملية ضد إدارة الشرع ويستعد لحرب عصابات في سوريا: هل يشعل فتيل الفوضى؟

في خطوة تعكس قرار تنظيم "داعش" اقتحام المشهد السوري كلاعب مؤثر، بدأت وسائل إعلامه، وعلى رأسها صحيفة "النبأ" الأسبوعية، حملة إعلامية ممنهجة ضد "الإدارة الموقتة" بقيادة أحمد الشرع. تزامن ذلك مع استئناف خلايا التنظيم ومفارزه الأمنية نشاطها الميداني، الذي اتخذ في الأسابيع الأخيرة منحىً تصاعدياً ملموساً.

ولا تزال أسباب صحوة التنظيم في هذا التوقيت غير واضحة، سواء كانت نتيجة اعتبارات ذاتية تتعلق برؤيته لمرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، إذ يمكن للفوضى والفلتان الأمني أن يوفّرا بيئة ملائمة لتصعيد نشاطه، أو كانت ردّ فعل غير مباشر على المطالب الدولية الموجَّهة إلى إدارة الشرع بالتعاون مع التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، ما جعل التنظيم يشعر بأنه سيكون في قلب العاصفة سواء تحرّك أو لم يتحرّك، فاختار أخذ زمام المبادرة عبر تنفيذ عمليات مكثفة ضد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) كمرحلة أولى، قبل أن يتبنى أولى عملياته ضد قوات الإدارة الموقتة في تلول الصفا ببادية السويداء الشرقية الأسبوع الماضي.

وكانت "إدارة الأمن العام" قد أعلنت، بعد نحو شهر من سقوط النظام، إلقاء القبض على خلية تابعة لـ"داعش" كانت تخطط لاستهداف مقام السيدة زينب، ثم أعلنت لاحقاً اعتقال "أبو الحارث العراقي"، الذي وُصف بأنه قيادي بارز في التنظيم. وقد كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي شهدت احتكاكاً مباشراً بين الإدارة الموقتة والتنظيم قبل شهر أيار/مايو الذي شهد طفرة تصعيد جديدة.

اللافت أن "داعش" لم يقرّ حتى الآن بتبعية الخليّة المقبوض عليها له، ولم يُعلّق على ما أعلنته إدارة الأمن العام عن مداهمة أوكار له في حلب ودير الزور وريف دمشق. بل إن افتتاحية "النبأ"، التي هاجمت الشرع لأسباب عدّة بينها لقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وتخليه عن "تحكيم الشريعة"، لم تتطرّق إلى اعتقال "المجاهدين" أو اتهام الإدارة بمحاربة "دولة الإسلام"، ما يدفع للتساؤل عن مدى دقة الرواية الرسمية.

في المقابل، نفت حسابات قريبة من التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي صحّة ما قيل عن مداهمات طالت خلاياه، مشيرة إلى أن مداهمة ريف دمشق استهدفت عنصراً من تشكيل عسكري شارك في معركة "ردع العدوان" لكنه لم يكن يتبع لوزارة الدفاع. وذكرت أن السيارة المفخخة التي انفجرت في مخفر الشرطة بمدينة الميادين كانت من تنفيذ مجموعة عشائرية منشقة عن قوات إبراهيم الهفل، ونفت أيضاً صلة التنظيم بالخلية التي دهمتها القوات في حلب.

كل ذلك قد يشير إلى أن التنظيم إما يرفض الاعتراف بخسائره الميدانية، أو يحاول إيصال رسالة بأن الإدارة الموقتة تستخدم "خطر داعش" كورقة أمام المجتمع الدولي لكسب اعترافه ودعمه، خصوصاً في ظل مطالبته لها بمحاربة التنظيم ومنع استخدام الأراضي السورية في تنفيذ عمليات إرهابية.

في موازاة ذلك، تبنّى "داعش" عدداً كبيراً من العمليات ضد قوات "قسد" في شمال شرق سوريا، وهي مناطق لا تزال خارج سيطرة الإدارة الموقتة. ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن التنظيم نفذ نحو 105 عمليات منذ بداية العام، أدّت إلى مقتل نحو 30 عنصراً.

لكن تبنّي التنظيم لأول عملية ضد قوات الإدارة الموقتة يمثّل تحوّلاً نوعياً في نهجه، بعد سنوات من امتناعه عن استهداف "هيئة تحرير الشام"، خصوصاً بعدما اضطر للفرار إلى مناطقها عقب هزيمته في الباغوز ربيع 2019. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يُقتل اثنان من "خلفاء" "داعش" هما أبو بكر البغدادي وأبو إبراهيم القرشي في تلك المناطق على يد التحالف الدولي.

بناءً على ذلك، يُمكن اعتبار هجوم تلول الصفا بمثابة طيٍّ لصفحة الباغوز وبداية مرحلة جديدة، تتقاطع مع تطورات سياسية وميدانية متسارعة تشهدها البلاد. ويُعد أيضاً إنذاراً مباشراً برغبة التنظيم في استعادة حضوره التخريبي، مستغلاً بعض الخواصر الرخوة.

واختيار تلول الصفا مسرحاً للعملية يحمل دلالات استراتيجية، نظراً إلى طبيعتها الجغرافية الصعبة التي جعلت منها حصناً طبيعياً، إذ سبق أن طُرد منها التنظيم على يد الجيش السوري أواخر عام 2018 بعد معارك عنيفة. وعودة "داعش" إليها اليوم تمثّل مكسباً ميدانياً يمنحه هامشاً للتحرك في اتجاه الغوطة الشرقية، ومحافظات السويداء وحمص، وامتدادات الجنوب السوري.

ولا شك في أن أهالي السويداء لن ينسوا بسهولة مجزرة 2018 التي نفذها "داعش" في محافظتهم، ما يجعلهم يشعرون بأنهم هدف محتمل أكثر من غيرهم، وقد يسعى التنظيم لاستغلال "ورقة الأقليات" لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار ورفع نسبة الاحتقان.

كذلك، تحمل العملية رسالة إلى قوات التحالف الدولي في قاعدة التنف، خصوصاً أنها استهدفت مقاتلين من "جيش سوريا الحرة" المدعوم أميركياً والذي انضوى أخيراً تحت وزارة الدفاع في الإدارة الموقتة.

وقد لا يكون من قبيل الصدفة أيضاً أن يتزامن الهجوم مع إعلان تشكيل وحدة تنسيق إقليمية بين تركيا وسوريا والأردن لمحاربة "داعش"، ما قد يُفهم كتحدٍّ مباشر واستعداد للمواجهة.

وهو ما يتقاطع مع دعوة "النبأ" الأخيرة للمقاتلين الأجانب للانضمام إلى "سرايا التنظيم" في الأطراف والأرياف، ما يشير إلى استراتيجية جديدة قوامها حرب العصابات في مناطق البادية والهامش، بعيداً من مراكز المدن، لتفادي الخسائر المباشرة.

مشاركة المقال: