الأحد, 15 يونيو 2025 11:44 PM

تحذيرات أمريكية من اغتيال رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع: من المستفيد وما هي الدوافع؟

تحذيرات أمريكية من اغتيال رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع: من المستفيد وما هي الدوافع؟

عنب بلدي – موفق الخوجة

حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية من عملية اغتيال محتملة للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ما يشير إلى تقاطع في المصالح بين دمشق وواشنطن، يدفع الأخيرة إلى الاهتمام بحياة الرجل الذي مازال، حتى اللحظة، على قوائم الإرهاب، رغم لقائه بالرئيس الأمريكي.

التحذير جاء على لسان المبعوث الأمريكي إلى سوريا وتركيا، توماس باراك، خلال لقائه مع موقع "المونيتور" الذي نشره، في 10 من حزيران الحالي، إذ أعرب عن خشيته على سلامة الشرع، قائلًا، "نحن بحاجة إلى تنسيق نظام حماية حول الشرع".

مصالح مشتركة

الباحث السياسي السوري، الدكتور نادر الخليل، قال إن تفسير الاهتمام الأمريكي بحماية الشرع ممكن عبر النظر من زاوية المصالح "الجيوسياسية"، على أنه محاولة استباقية لمنع دخول سوريا في فراغ سياسي وأمني غير مرغوب فيه، في حال تمّت تصفيته أو إزاحته.

وأضاف، في حديثه لعنب بلدي، أن عواصم غربية، وبالأخص واشنطن، يخشون من تكرار سيناريوهات سابقة، كما حدث سابقًا في الموصل أو الرقة، حين قادت الفوضى والفراغ إلى تمكين تنظيم "الدولة الإسلامية" من استعادة سيطرتها.

ويرى الباحث، أن واشنطن تنظر للشرع كـ"صمّام" يمنع الانهيار التامّ في سوريا، لا كرجل مرحلة كاملة، ويتطلب ذلك السعي لاستقرار سوريا.

بالمقابل، قد ترى واشنطن في ذلك فرصة لتقديم نفسها كراعٍ دولي للتوازن في سوريا الجديدة، ما بعد الحرب، في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي، وفق الخليل.

كيف تحميه؟

الباحث في مركز "حرمون للدراسات" نوار شعبان، قال إن الرسالة الأمريكية تتمثّل بأن الشرع رئيس "براجماتي" يسعى إلى بناء دولة قوية ويسعى إلى التحرك نحو عملية سياسية شاملة وسط هذه الأخطار.

وأضاف شعبان، لعنب بلدي، أن أمريكا يمكن أن تحمي الشرع، عبر اتفاقيات أمنية وعسكرية واستخباراتية للقضاء على التهديدات المشتركة والتي يمكن تصنيفها أنها تمثل خطرًا عليه.

ولفت إلى أن الأخطار والتهديدات موجودة، سواء بالتصريح الأمركي أو بدونه، ولم تأتِ الأخيرة بجديد، لكنها بهذا التصريح تثبت أنها تملك القابلية أو الرغبة أو المناخ المناسب والملائم، وتقاطِع بالأهداف، ما يهيّئ إلى تعاون مستقبلي ممكن أن يحدث.

وفي ذات الوقت، أكّد الباحث شعبان، أن هناك تعاونًا في بعض الملفات حاليًا، لكنّ أمريكا تعمل بنوع من أنواع "الوقاء الدبلوماسي" أمام الحلفاء الإقليميين وأمام الداخل الأمريكي.

وأشار إلى أن قسمًا من الإدارة الأمريكية، ما زال يرى الرئيس الشرع أنه جهادي ولن يتغير، وبالتالي في هذا التصريح أمريكا قالت عكس ذلك.

"ذعر ناعم"

الباحث نادر الخليل، قال إن قراءة ما بين سطور التحذير الأمريكي، يدلّ على وجود حالة "ذعر ناعم" من احتمال انفجار مرتقب داخل المشهد السوري المعارض، قد يعيد إلى نقطة الصفر، وربما لما هو أسوأ.

وأضاف أن واشنطن تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تقديم "دعم رمزي" للشرع، لا حبًا في الرجل، ولكن خشية من سوء البدائل.

تتمثل هذه البدائل، وفق الخليل، بفوضى أمنية تُغري تنظيم "الدولة" بالعودة، أو صراع دموي بين أجنحة الفصائل، أو حتى عودة النظام بواجهة جديدة، تحت عباءة روسية أو إيرانية، دخول سوريا في دوامة من الانقسامات والعنف.

وإلى جانب البعد الأمني، تحمل تحذيرات باراك، بُعدًا استراتيجيًا أكبر، وهو الحفاظ على استقرار نسبي هش، يُمكّن أمريكا من البقاء لاعبًا مقررًا في سوريا، دون أن تكون منخرطة عسكريًا على الأرض بشكل مباشر.

وتشير تصريحات باراك إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تُدرك هذا المخاطر والصراع، ويبدو كإعلان واضح، أنها لن تقف على الحياد، بحسب الباحث، الخليل.

وقال إن هذه التصريحات لا تأتي من فراغ، بل تُعبّر عن تحوّل واضح في القراءة الأمريكية للمشهد السوري الراهن، وبخاصة في ما يتعلق بموقع الرئيس الجديد، الشرع، داخل خارطة التوازنات الحساسة للمنطقة.

مسلحون "ساخطون"

المبعوث الأمريكي، توم باراك، قال في مقابلته مع "المونيتور"، إنّ الإدارة الأمريكية قلقة من أن جهود الشرع لتعزيز الحكم الشامل والانفتاح والتواصل مع الغرب قد تجعله هدفًا للاغتيال من قبل "مسلحين ساخطين".

وسلط باراك الضوء على التهديد الذي تشكله الفصائل المنشقة من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى الشرع في العملية العسكرية التي أطاحت بالرئيس المخلوع، بشار الأسد، في 8 من كانون الأول 2024.

وقال، "بينما تعمل القيادة السورية الجديدة على دمج هؤلاء المقاتلين الذين اكتسبوا خبرة في المعارك في جيشها الوطني، فإنهم يُستهدفون بالتجنيد من قبل جماعات مثل تنظيم (الدولة الإسلامية)".

الباحث في مركز "حرمون للدراسات" نوار شعبان، قال إنّ الشرع أثبت أن لديه "براجماتية" عالية، وبالتالي هناك جماعات سابقة، كان جزءًا منها، لها مصلحة بالاغتيال، أحدها تنظيم "الدولة"، ومجموعات أخرى وصفها بـ"المتطرفة"، إضافة إلى الميليشيات الإيرانية و"فلول" النظام السابق.

من جانبه، أشار الباحث نادر الخليل إلى وجود دلالات على أن واشنطن تدرك خطورة احتمال وجود وحجم انقسام داخل الفصائل المسلحة في سوريا، وخاصة تلك المتحالفة أو المنضوية تحت مظلة "هيئة تحرير الشام"، والتي تُشكّل حاليًا نواة القوة الأمنية والعسكرية في سوريا.

ويرجّح الخليل أن المقصود بالجهات التي ألمح إليها باراك، هي "أجنحة متشددة" داخل "الهيئة" نفسها أو في محيطها القريب، ممن يرفضون "التوجه البراجماتي" الجديد الذي بدأ يميل إليه الشرع.

وأشار الخليل، إلى فتح الشرع لقنوات تواصل مع الغرب، وتقديم نفسه كشريك مقبول دوليًا، في مقابل تقليص نفوذ التيارات "السلفية الجهادية" الأكثر تطرفًا داخل "الهيئة".

ودعا الباحث إلى عدم التقليل من احتمال وجود جهات بدأت تنشط من جديد في فلك تنظيم "الدولة"، أو حتى داخلها، تحاول استقطاب الساخطين من داخل "تحرير الشام" نفسها.

وقال إن القيادة السورية الجديدة كلما جنحت نحو الاعتدال السياسي والواقعية الدولية، ازدادت احتمالية بروز وتنامي حركات التمرّد من "الجناح الراديكالي" (المتشدد).

ويعتقد البعض، أضاف الخليل، أن تنظيم "الدولة" يراهن حاليًا على هذا التصدّع لإعادة التموضع في سوريا.

ودعا تنظيم "الدولة" خلال افتتاحية صحيفة "النبأ" التابعة له، في 16 من أيار الماضي، المقاتلين الأجانب المنضوين في وزارة الدفاع السورية للانضمام إلى خلاياه في الأرياف، معتبرًا أن الشرع استغلهم لخدمة مشروعه.

ليس سرًا أن الشرع يسعى إلى إعادة تموضع (تحرير الشام) على أنها فاعل محلي (براجماتي)، وأنه ليس تنظيمًا بمرجعية جهادية عابرة للحدود، وذلك في محاولة لنزع صفة (الإرهاب) عن (الهيئة) وتقديمها كشريك ضروري في إدارة سوريا.

ويبدو أن هذه الاستراتيجية ليست موضع إجماع داخل (الهيئة)، فهناك تيارات متطرفة، بعضها كان محسوبًا على (جبهة النصرة) أيام ارتباطها بالقاعدة، ترى أن هذا الانفتاح هو خيانة للنهج السلفي الجهادي، وربما لهذه الأسباب بدأت تظهر مخاوف من بعض الأصوات التي قد تنادي بضرورة إزاحة الشرع، سواء بتهم الانحراف العقائدي أو موالاة الغرب.

الدكتور نادر الخليل

باحث سياسي سوري

جهات خارجية محتملة

لم يشر المبعوث الأمريكي إلى سوريا، باراك، إلى وجود أيادٍ خارجية خلف محاولات الاغتيال، إلا أن الباحث نادر الخليل أوضح أنه في التحليل السياسي والأمني، الغياب لا يعني العدم.

وقال إنه من غير المعقول تجاهل احتمال وجود خلايا نائمة تابعة للنظام السوري السابق، أو حتى عناصر مخترقة من قبل المخابرات الإيرانية أو الروسية، وبعضها لا تزال نشطة في مناطق عديدة من سوريا.

وأشار إلى أنّ بعض الأعضاء السابقين في الأجهزة الأمنية للنظام المخلوع، دخلت ضمن التشكيلات الجديدة للأمن والجيش السوري الجديد، كما لاتزال لهذه الأطراف، وفق الخليل، تأثيرات عبر أدوات استخبارية مدنية.

الخليل ألمح إلى أن الكثير من الآراء تقول إن إيران تحتفظ بعلاقات متشابكة مع فصائل متشددة، بعضها كان يرفع شعارات إسلامية ولكنها تعمل ضمن أجندة طهران الأمنية.

من جانب آخر، يحتفظ الروس بأوراقهم السياسية والأمنية، خاصة عبر صلات مع قادة سابقين في جيش النظام أو عبر وسطاء سوريين.

ولا يستبعد الخليل أن يرى الروس في الشرع تهديدًا لطموحاتهم في مرحلة ما بعد الأسد، كونه قد يتحول إلى واجهة مدعومة غربيًا، وهو ما لا يخدم المصالح الروسية في شرق المتوسط.

احتياطات أمنية.. محاولتي اغتيال

يرى الباحث نادر الخليل الاحتياطات الأمنية المشددة التي يفرضها الشرع على تحركاته، مثل تجنّب إقامة شعائر رمزية علنية، كصلاة العيد في المساجد، لم تكن قرارًا دينيًا أو شخصيًا.

واعتبر ذلك تعبيرًا عن إدراك عميق لوجود وحجم التهديدات المحدقة، وقال إن أداء صلاة العيدين في القصر الجمهوري، خلافًا لما دأب عليه الرؤساء السابقين في سوريا، ربما هو تعبير عن مرحلة أمنية هشّة، وقد يشّي بوجود خطر داخلي فعلي لا يُستهان به.

ونقلت صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية، والناطقة بالفرنسية، في 12 من حزيران الحالي، عن مصادر غربية لم تسمّها، أن الشرع تعرّض لمحاولتي اغتيال منذ توليه السلطة.

ووفقًا للمصادر التي نقلت عنها الصحيفة، وقعت المحاولة الأحدث قبل نحو أسبوعين، بينما تمّت الأولى في شهر آذار الماضي، متهمة جماعات جهادية، بما فيها تنظيم "الدولة".

وتحدثت صحيفة "تركيا" المقربة من الحكومة التركية، في 11 من شباط الماضي، أنّ اجتماعًا حصل في مدينة النجف العراقية بين جنرالات من "الحرس الثوري" الإيراني وضباط من جيش النظام السابق، لتدبير انقلاب على الحكومة في دمشق.

مشاركة المقال: