السبت, 7 يونيو 2025 01:08 AM

بعد 10 سنوات على مجزرة الشعيطات: متحف تفاعلي يوثق الجريمة المنسية ويكشف فظائع داعش

بعد 10 سنوات على مجزرة الشعيطات: متحف تفاعلي يوثق الجريمة المنسية ويكشف فظائع داعش

في واحدة من أبشع فصول الحرب السورية، وقعت مجزرة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي في أغسطس 2014. قُتل فيها أكثر من 800 شخص من أبناء عشيرة الشعيطات على يد تنظيم داعش بعد رفضهم الخضوع لسلطته. طُردت العائلات ودُمرت البلدات، وأُلقيت الجثث في مقابر جماعية مجهولة.

رغم فظاعة المجزرة، لم يتم توثيقها بشكل كافٍ، وظلت من بين الجرائم الأكثر تكتماً. اليوم، وبعد عقد من الزمن، ومع إطلاق مبادرات للعدالة الانتقالية، يأمل أهالي الضحايا في الاعتراف والتعويض واستعادة رفات أحبائهم. مشروع "متحف سجون داعش" يفتح هذا الملف ويوثقه بالأسماء والأرقام والروايات الفردية، مانحاً العائلات فسحة أمل.

انطلق مشروع "متحف سجون داعش" لسد هذه الفجوة في الذاكرة السورية من خلال توثيق رقمي غير مسبوق، يعيد بناء الأحداث ويمنح صوتاً لمن أُخفيت وجوههم وأُسكتت أصواتهم. المتحف، الذي بدأ العمل عليه في 2017 وأُطلق رسمياً في لندن في أكتوبر 2024، هو معرض افتراضي تفاعلي دائم يعيد إحياء تجربة سجون داعش بتقنيات بصرية متطورة.

في أغسطس 2014، ارتكب تنظيم داعش مجزرة جماعية بحق عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي، بعد رفضهم مبايعة التنظيم أو السماح له بالسيطرة على بلداتهم. بدأت المواجهات بمناوشات، لكنها تحولت إلى عملية عسكرية منظمة استخدم فيها التنظيم القوة المفرطة والإعدامات الجماعية.

استمرت العملية 12 يوماً، ووفقاً لتوثيق "متحف سجون داعش" بالتعاون مع رابطة عائلات الضحايا، بلغ عدد الضحايا الموثقين حتى عام 2021 نحو 814 شخصاً، بينهم 558 مدنياً. كما قُتل 256 آخرون في السجون أو اختفوا، ولا يزال مصيرهم مجهولاً. من بين الضحايا، 141 امرأة أرملة و307 أطفال يتامى.

نفذ داعش المجزرة بعد فتوى داخلية صنفت أبناء الشعيطات "طائفة ممتنعة بالسلاح"، وهي صيغة فقهية تستخدم لتبرير قتل الجماعات التي لا تبايع التنظيم. ترافقت المجزرة مع تهجير قسري وهدم للمنازل ومصادرة للممتلكات. تم توثيق 20 مقبرة جماعية في المناطق المتضررة، دُفن فيها مئات الضحايا.

يقول أيمن علاو، الباحث في ملف مجزرة الشعيطات وعضو فريق التوثيق في متحف سجون داعش، إن العمل على هذا الملف كان اختباراً يومياً للفصل بين العقل والذاكرة الشخصية. ويضيف: "بصفتي باحثاً، كنت مضطراً إلى أن أضع مشاعري جانباً لأُنجز عملاً دقيقاً. لكن في كل شهادة كنت أستمع إليها، كنت أسمع أيضاً صوت أهلي، وأشتمّ رائحة قريتنا، وأتذكر من فقدناهم".

أطلق المتحف مؤخراً ملفاً استقصائياً شاملاً عن المجزرة، وأعاد بناء المكان افتراضياً، مانحاً الزائر تجربة تفاعلية لاستكشاف سجن شهد الإعدامات. واجه الفريق تحديات في حماية الشهود والوصول إلى الأدلة والتعامل مع شهادات مؤلمة. استغرق جمع الشهادات والتحقق منها شهوراً طويلة، وتطلب بناء النموذج الرقمي الاستعانة بمهندسين ومصممين.

كل غرفة في السجن الرقمي تحكي قصة، وفيه ممر يؤدي إلى غرفة الاحتجاز الجماعي، وزنزانة انفرادية كانت مكاناً للتعذيب. يمكن للزائر الضغط على الجدران أو الأبواب لسماع شهادات حقيقية.

يركز فريق المتحف على أن هذا التوثيق ليس فقط للإعلام أو البحث الأكاديمي، بل هو جزء من عمل قانوني دائم. تم التنسيق مع محققين دوليين ومحامين، وأُرسلت نسخ من المواد إلى هيئات حقوقية في أوروبا، حيث تُجرى محاكمات لعناصر داعش.

يقول أحد أعضاء الفريق القانوني إن هذا النوع من التوثيق ضروري في ظل غياب آليات محاسبة رسمية. ويضيف: "إذا لم نوثّق نحن، وإذا لم نحفظ الأدلة، فلن تكون هناك محاسبة. وما لا يُوثق يُنسى".

حرص الفريق على حماية الشهود وعدم الكشف عن هوياتهم، وأُدرجت في جميع المواد تحذيرات من المحتوى الحساس، وتجنب الفريق عرض أي صور دموية. فالهدف هو تقديم الحقيقة وإنصاف الضحايا وعائلاتهم.

تأسست "رابطة أهالي ضحايا الشعيطات" كخطوة موازية لجهود التوثيق، بأفق اجتماعي وحقوقي مختلف. وتهدف إلى كسر العزلة عن الشعيطات، وتذكير العالم بأن هذه المجزرة لم تلق المحاسبة المفروضة.

بهذه الجهود، تُفتح نافذة جديدة على واحدة من أكثر الجرائم المسكوت عنها في الحرب السورية. إنها ليست فقط قصة مجزرة، بل نموذج من كيفية إخضاع مجموعة سكانية برمتها وجعلها تدفع ثمن الرفض بالإبادة. وما يفعله "متحف سجون داعش" هو بناء ذاكرة بديلة، تُصاغ من أصوات الشهود، ومن الصور التي لم تُلتقط وقت الجريمة، ومن الحقائق التي لم تروَ.

وقد تختزل العبارة التالية المنشورة على موقع المتحف كل ما يجب أن يقال: "بعض الجرائم تعيش في الصمت. نحن بنينا هذا كي تتكلَّم".

مشاركة المقال: