يارا جمعة
في خضمّ التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان، ولا سيما تلك في ليلة عيد الأضحى، وبينما كان المتحدث باسم «جيش» الاحتلال، أفيخاي أدرعي، يوجّه رسائل مبطّنة وقحة تحت عنوان «تحذيرات لسكان لبنان»، برز صوت غير متوقّع في المشهد: الممثلة اللبنانية نادين الراسي.
القصف مقبول
صوت نادين لم يكن صوتاً غاضباً في وجه من يهدد بلادها، ولا صرخة في وجه الاحتلال، بل جاء كرجاء خفيف الظل، و«لطشة مهضومة»:
«لما بدك تهدد، ما تقول سكان لبنان. قول وين بالتحديد، بأي شارع. لأنو عنا سواح ومشاريع ماشية».
هكذا، ببساطة، قررت نادين أن ترد على أفيخاي.
لم تطلب منه أن يتوقف عن التهديد. لم تهاجمه. لم ترفض منطقه.
بل أرشدته إلى تعديل لغته، كي لا تشمل التهديدات كل اللبنانيين. وكأنّ القصف مقبولٌ شرط أن يكون «دقيقاً»، وموجّهاً إلى أولئك الذين لا يشبهونها.
وفي سابقة غير مفاجئة، سارع أفيخاي أدرعي إلى الرد، واحتفى برسالتها كما لو أنها مادة دعائية مجانية. استغل كلماتها، وطمأنها إلى أنّ مشكلته ليست مع الدولة اللبنانية أو شعبها، بل مع فئةٍ اختارت أن تورّط «سكان لبنان».
ردّه بدا وكأنه يتبنّى موقف نادين، بل يتقاطع معه، ويردد صدى عباراتها بلغة محسوبة سياسياً. لكنّ الحقيقة واحدة: الرسالة وصلت. وقد كانت، للأسف، بصوت لبناني.
من «سكان لبنان» الذين نبذتهم نادين الراسي: درس في الوطنية وحبّ الحياة
نحن الذين نبذتهم نادين
نحن سكّان لبنان، الذين لم يعجبوا نادين. نحن الذين لم نُذكَر في مناشدتها لأفيخاي. نحن الذين افترضت أنهم ليسوا «سيّاحاً»، ولا يحملون مشاريع «ماشية»، فليست لنا قيمة في ميزان رسائلها.
لكن دعينا نذكّرك:
نحن من بقي، حين كان الآخرون يرحلون.
نحن من سهر، حين نامت النخبة.
نحن من دفن الشهداء تحت القصف، وأكمل الحياة.
نحن من شكّلوا خط الدفاع الأول عن بلد لم يحترمهم كثيرون، لكنهم احترموه.
نحن لا نناشد العدو ولا نستجديه أن يكون «أكثر دقة» في العدوان، بل نرفض العدوان أصلاً.
نحن لا نناشد من يقتلنا. نحن نواجهه.
نحن نعلم أن الصواريخ لا تميّز، وأن دم الأبرياء لا يفرَّق بين شارع وآخر. لسنا بحاجة لمن «يوضح» من يستحق الحياة.
فنحن لا نُصنّف، لا نُفرز، لا نُستثنى.
ومن أراد أن يكتب للعدو، فليكتب باسمه فقط.
أما «سكان لبنان» — كل لبنان — فليسوا ورقة في حرب رسائل.