هذا الملف، الذي كان حتى وقت قريب شرطاً صارماً وملحّاً ضمن المطالب الأميركية، تحوّل فجأة إلى بندٍ توافقي. تتواصل عملية تشكيل بنية منظومة الحكم الجديد في سوريا، بناءً على توافقات دولية تُعلن نتائجها بوتيرة متسارعة، كأنّ هناك من هو على عجلةٍ من أمره ليُعلن إتمام المهمة. فبعد سلسلة من العقود الاقتصادية الضخمة التي أُبرمت إثر تجميد العقوبات الأميركية ورفع جزء من العقوبات الأوروبية، أُزيلت العقبة الأبرز التي كان يُفترض أن تُشكّل تهديداً لعلاقة إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، والمتمثّلة في ملف المقاتلين الأجانب.
فهذا الملف، الذي كان حتى وقت قريب شرطاً صارماً وملحّاً ضمن المطالب الأميركية، تحوّل فجأة إلى بندٍ توافقي، تتجلى من خلاله رؤية مشتركة بين واشنطن ودمشق تهدف، وفق التصريحات الرسمية، إلى منع تسرب هؤلاء المقاتلين، في حال التخلي عنهم، إلى تنظيمات أكثر تطرفاً مثل “القاعدة” و”داعش”. غير أن البعض يرى في منح واشنطن الضوء الأخضر لضمّ المقاتلين الأجانب، ولا سيما الإيغور، إلى الجيش السوري الجديد، مؤشراً على تخطيط أميركي يهدف إلى تحويل المنطقة إلى حاجز أمام التمدد الصيني، في سياق اعتبار الصين التهديد الأول في استراتيجية الأمن القومي الأميركي. ويعكس الإعلان عن هذا القرار، الذي تولّاه توم براك، المبعوث الأميركي إلى سوريا وسفير واشنطن في أنقرة، بما يمثله من تقاطع مصالح أميركية-تركية-خليجية، وجودَ استراتيجية متكاملة تلعب فيها أنقرة دوراً محورياً، بالتنسيق الأولي مع بعض دول الخليج، مستفيدة من علاقاتها الوثيقة بالمقاتلين الإيغور.
وتسعى هذه الاستراتيجية، على المدى البعيد، إلى تحقيق هدفين. أولاً، التصدي للنفوذ الصيني في المنطقة. وثانياً، طيّ صفحة الوجود العسكري الروسي في سوريا. ويتم ذلك بالتوازي مع إعادة تنظيم الوجود العسكري الأميركي والتركي، إذ لم يكن من قبيل المصادفة أن يأتي إعلان دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري متزامناً مع إعلان سحب ربع القوات الأميركية من شرق الفرات، مع التأكيد على الإبقاء على قاعدة التنف كموطئ قدم ثابت.
وانقسم السوريون إزاء قرار ضمّ الإيغور إلى الجيش الوطني الجديد؛ فبينما رأى فيه البعض حلاً منطقياً يضمن حقوق من وقفوا مع الثورة وأسهموا في تحقيق مكاسبها، اعتبره آخرون انتكاسة وطنية كبرى، لكونه يهدّد هوية الجيش الوطنية ويُدخل عناصر أجنبية في نسيجه، ما قد يُضعف الثقة بقراراته ويعرّضه للشكوك ويحرمه من الإجماع الوطني المطلوب.
والتحق نحو 3500 مقاتل من الإيغور، ينتمون إلى “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يتخذ من أفغانستان مقراً له ويقوده الأمير عبد الحق، بالفرقة 84 في الجيش السوري. وأعلن أحد ممثلي الحزب حلّ التنظيم، نافياً أي تبعية لجهات خارجية، إلا أن قيادتي الحزب في أفغانستان وسوريا لم تصدرا أي بيان رسمي يؤكد ذلك.
ويُشرف على فرع الحزب في سوريا شخص يُدعى “أبو عمر كوثر”، مجهول الهوية الحقيقية. وفي آذار/مارس الماضي، قررت هيئة الشورى المركزية للحزب في أفغانستان تعيين “أبو محمد” (زاهد قاري)، وهو العميد عبدالعزيز خدابردي، قائداً عسكرياً لفرع سوريا، إلى جانب أمير مجهول الهوية يُعرف بـ”الشيخ طوبى”، كنائبين لقيادة الفرع.
وقد أثار دخول مقاتلي الإيغور إلى الفرقة 84 ككتلة واحدة جدلاً واسعاً، خصوصاً أنه يتناقض مع المواقف المعلنة للإدارة الموقتة بخصوص التعامل مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ كان أحد أبرز أسباب الخلاف بين الطرفين هو مطالبة “قسد” بالاندماج في وزارة الدفاع ككتلة موحدة، وهو ما رفضته الإدارة مراراً. إلا أن خطوة دمج الإيغور قد تجعل من الصعب على وزارة الدفاع الاستمرار في رفض المطالب الكردية.
ويفتح هذا التطور الباب واسعاً للتساؤل عن مصير المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد”، وهو ملف طالما مثّل هاجساً لدى أنقرة التي تعتبر هؤلاء امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي أعلن مؤخراً حلّ نفسه. إذ يوجد مئات المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد” منذ سنوات، ويُرجّح أن يُسمح لمن يرغب منهم بالبقاء في سوريا بالانضمام إلى الجيش الجديد، بعد أن فُتح الباب أمام الآلاف من المقاتلين الأجانب من جنسيات متعددة كانوا يقاتلون ضمن الفصائل المسلحة.
ويُقدّر عدد الأجانب الذين انضموا إلى الجيش السوري من غير الإيغور بنحو 3000 عنصر، كانوا منتسبين إلى فصائل عدة، إلا أن الغالبية منهم كانت تنضوي تحت راية “هيئة تحرير الشام”.
ورغم أن أنصار الإدارة الموقتة أيدوا خطوة دمج الإيغور ودافعوا عنها، إلا أن بعضهم لم يُخفِ استغرابه من هذا الاندماج السلس، متسائلين: لماذا يُمنح الأجانب ثقة مطلقة، في حين يُخضع الضباط والعسكريون المنشقون عن النظام السابق لاشتراطات معقّدة ومتطلبات كثيرة قبل قبولهم فرادى في صفوف الجيش الجديد؟
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية