الإثنين, 16 يونيو 2025 01:50 AM

يومان غيّرا قواعد اللعبة: مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل تُعيد رسم خريطة الردع في المنطقة

يومان غيّرا قواعد اللعبة: مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل تُعيد رسم خريطة الردع في المنطقة

في مشهد يختصر عقوداً من التوتر المكبوت، انزلقت المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أعنف جولات الصراع وأكثرها حساسية منذ الثورة الإيرانية.

فقد شنّت إسرائيل، فجر الجمعة 13 حزيران 2025، هجوماً معقّداً متعدد الأوجه على العمق الإيراني، في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم «الأسد الصاعد»، قابلتها طهران خلال ساعات برد صاروخي حمل عنوان «الوعد الصادق 3»، ضم أهدافاً متعددة في العمق الإسرائيلي وأعاد رسم معادلة الردع في المنطقة.

غارة عسكرية أم حرب مركبة؟ العملية الإسرائيلية لم تكن مجرد غارة جوية تقليدية. بل جاءت كحملة منسقة استخباراتياً وميدانياً، استندت إلى اختراق أمني واسع داخل إيران. فقد سبقت طائرات الـF-35 فرق عمليات خاصة تابعة للموساد، تمكّنت من تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية وتعطيل منظومات الرادار والاتصالات الحيوية، ما سمح للسرب الجوي بالعمل في بيئة عملياتية آمنة نسبياً.

الهجوم استهدف منشآت حساسة من بينها مفاعل نطنز النووية، إضافة إلى اغتيال قيادات عسكرية إيرانية بارزة، في محاولة إسرائيلية لتوجيه ضربة «رأسية» للبنية القيادية الإيرانية.

«الوعد الصادق» يقلب الطاولة لكن المفاجأة لم تكن في الهجوم، بل في رد الفعل الإيراني السريع والمنظّم. ففي أقل من 12 ساعة، أطلقت إيران 3 موجات من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، استهدفت مواقع عسكرية ومدنية داخل تل أبيب ومحيطها، محدثة أضراراً مباشرة، واختراقاً واضحاً لمنظومة الدفاع الإسرائيلية متعددة الطبقات، من «القبة الحديدية» إلى «مقلاع داوود» و«آرو».

هذه الضربات لم تكن استعراضية، بل شكلت إعلاناً عملياً بأن لدى إيران عمقاً استراتيجياً صاروخياً قادراً على ردع أي عدوان، وأن تل أبيب، بما تمثّله من رمز أمني واقتصادي، لم تعد خارج دائرة الاستهداف.

نجاح تكتيكي وفشل استراتيجي أظهرت إسرائيل قدرة هجومية كبيرة، لكن فشلت في استثمار نجاحها الأولي، حيث لم يؤدي اغتيال القادة إلى شلل في منظومة القيادة الإيرانية، التي أعادت تفعيل قدراتها خلال ساعات بقيادة القائد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي.

في المقابل، كشفت الضربة الإيرانية هشاشة الدفاعات الصهيونية، التي طالما سوّقت كأنها الأحدث والأكثر تطوراً في العالم.

ميزان القوة والضعف: قراءة في أداء الطرفين كشفت المعركة الأخيرة عن صورة مركّبة للطرفين، حيث برزت نقاط قوة استراتيجية واضحة لدى كلٍّ من إسرائيل وإيران، لكنّها ترافقت أيضاً مع مكامن خلل وثغرات حرجة أثّرت في مسار المواجهة ومعادلاتها.

تمثلت نقاط الضعف الإسرائيلية في العجز عن استثمار النصر التكتيكي، إذ لم يؤدي اغتيال القادة إلى انهيار القيادة الإيرانية، بل جرى ترميمها بسرعة. يضاف ذلك إلى فشل استخباراتي في فهم النظام الإيراني. فقد اعتمد الإسرائيليون على تقييم مغلوط للثقل القيادي، في حين أن بنية اتخاذ القرار الإيرانية أعمق وأكثر مرونة.

ويضاف إلى نقاط الضعف، مخاطرة سياسية متهورة. فقد شنت إسرائيل هجوماً على دولة ذات سيادة من دون غطاء دولي صريح، ما يهدد بجرّ الحلفاء إلى مواجهة موسعة.

أما بخصوص إيران، فقد ظهرت نقاط قوتها من خلال ترسانة صاروخية فعالة ومتطورة. فقد أثبتت الصواريخ الإيرانية، لا سيما الفرط صوتية، قدرتها على اختراق العمق الإسرائيلي وفرض معادلة ردع جديدة.

وتمتع الأداء الإيراني بمرونة غرفة القيادة والسيطرة، إذ أظهرت القيادة الإيرانية سرعة استثنائية في التعافي، وإعادة تفعيل المنظومات خلال ساعات.

وتزامن ذلك مع استجابة منظمة وسريعة. فقد جاء الرد العسكري الإيراني واسع النطاق، ما كشف عن جاهزية عالية وتماسك مؤسسي في وقت الأزمة.

يضاف إلى نقاط القوة الإيرانية القدرة على كشف وتعطيل الاختراقات. وتمثل ذلك بإسقاط طائرات F-35 ومسيّرات، واعتقال عملاء الموساد، ودلّ على فاعلية استخبارية مضادة وتعافٍ سريع.

أما نقاط الضعف، فقد تمثلت بالاختراق الأمني الداخلي، فقد شكّل وجود عملاء ومخازن للموساد داخل البلاد ثغرة استخباراتية خطيرة. كما ظهر قصور في الدفاعات الجوية التقليدية، خصوصاً مع فشل أنظمة مثل «إس-300» و«باور 373» في صد الموجة الأولى من الهجوم.

وترافق هذا مع ضعف نسبي في القوة الجوية، من خلال محدودية سلاح الطيران الإيراني قلّلت من قدرته على مواجهة الأسراب الجوية الحديثة أو تنفيذ عمليات بعيدة المدى.

سقوط أوهام الردع أحداث يومي 13 و14 حزيران كشفت أن منطق «الردع بالتهديد» سقط أمام «الردع بالفعل». كلا الطرفين انتقل إلى معادلة «الضربة بالضربة»، ما يجعل أي اشتباك مستقبلي معرضاً للتصعيد الفوري والخروج عن السيطرة.

في ظل هذا التصعيد، تبدو إسرائيل وقد فتحت على نفسها حرب استنزاف مفتوحة، من دون غطاء دولي كافٍ، فيما أثبتت إيران أن خسائرها الاستخباراتية، وإن كانت موجعة، لم تفقدها القدرة على الرد المؤلم والمباشر.

في الخلاصة، ثبت لإسرائيل أن لا هجوم مجانياً بعد اليوم. فيومان فقط كانا كفيلين بكسر وهم «الهجوم الآمن» الذي سعت إسرائيل لفرضه لعقود. وما بعد 14 حزيران ليس كما قبله، فإسرائيل التي اعتادت شنّ الضربات دون رد، باتت اليوم تدرك أن عمقها الاستراتيجي قابل للانكشاف، وأن كل ضربة سيُردّ عليها بأقسى منها.

مشاركة المقال: