قد يجانب الصواب من يختزل البادية في مجرد مساحات مترامية الأطراف من الرمال والنباتات الرعوية، وحرارة الصيف وبرد الشتاء القارس. فالبادية هي موطن عادات وتقاليد راسخة، قوامها الأصالة والفروسية والكرم وحب الضيف وإكرامه، وهي من صميم قيم أهلها. في هذا السياق، نلقي نظرة على واقع بادية حماة اليوم، ونستكشف مقومات العيش فيها.
تمتد بادية حماة على مساحات واسعة تشمل مناطق متعددة كالسعن وشرقي سلمية والعقيربات، والتي تضم جبال البلعاس وجبل شاعر وحسبة والفياض، وصولاً إلى حدود تدمر ودير الزور ومناطق الرقة والفرات. تتشابك هذه المناطق لتشكل منظومة بيئية قاحلة في سنوات الجفاف، وغنية في المواسم المطرية، حيث توفر الكلأ للأغنام التي تمثل الركيزة الاقتصادية لحياة القبائل.
تعتز القبائل بجذورها العميقة التي تمتد إلى الحجاز واليمن، وتتباهى بأصالتها وفروسيتها وكرمها، وهي صفات يلمسها كل زائر لمضاربهم.
الحياة ليست سهلة
يعيش في بادية حماة عدد كبير من السكان الذين يعتمدون على تربية الأغنام، ويتنقلون بها بحثاً عن المراعي. يسكنون الخيام التي تُنصب بالقرب من مصادر المياه.
لكن حياة أهل البادية لم تعد تقتصر على تربية الأغنام. فقد نشأت تجمعات سكنية وقرى وبيوت عصرية، وأصبح السكان يمارسون الزراعة والإنتاج الموسمي بفضل حفر الآبار.
ومع ذلك، لا يزال العديد من مربي الأغنام يقصدون المناطق الجبلية مثل البلعاس وشاعر والفياض. كما يتبع البعض أسلوب "التشريق والتغريب"، حيث ينتقلون بقطعانهم إلى المناطق الغربية بحثاً عن المراعي في حال تضرر المناطق الشرقية.
العادات والتقاليد الأصيلة
ما زالت العادات العربية الأصيلة متجذرة في البادية، وتقوم على قيم الفروسية والكرم وحسن استقبال الضيف وإكرامه. يشعر الزائر وكأنه جزء من المجتمع، ويعيش قصص التاريخ القبلي العظيم.
تُحل المشكلات الخاصة والعامة عن طريق وجهاء وشيوخ القبائل، مما يحافظ على تماسك المجتمع.
اقتصاديات البادية
كان اقتصاد البادية يعتمد بشكل أساسي على تربية الأغنام. في الماضي، كان عدد الأغنام في بادية حماة يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون رأس، وكانت حماة تصدر أكثر من 150 ألف رأس من ذكور العواس، مما شكل رافداً اقتصادياً هاماً.
لكن الوضع تغير اليوم، وبدأ السكان يعتمدون على الزراعة الحديثة، وتطورت القرى والتجمعات السكنية. دخلت إلى البادية خدمات حديثة مثل المستوصفات والمراكز الإرشادية والجمعيات الزراعية والبلديات. ومع ذلك، لا يزال الإنتاج الاقتصادي يعتمد على الأصواف والأجبان والسمون واللحوم.
تتميز الضيافة في البادية بالكرم وحسن الاستقبال، ولا يقبل أهلها عذراً عن عدم تناول الطعام. لقد حافظوا على أصالتهم وتقاليدهم النبيلة.
أصبح لأبناء البادية مدارس بعد أن كانت عبارة عن كرفانات متنقلة. واليوم، يوجد بينهم الأطباء والمهندسون والمحامون والمعلمون والتجار، لكنهم لم يتخلوا عن عاداتهم العربية الأصيلة.
أُقيمت المحميات في البادية، مثل البلعاس ووادي العزيب، وأنشئت السدات المائية، وزُرعت مئات الآلاف من النباتات الرعوية لتحسين حياة السكان.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية