الأحد, 8 يونيو 2025 10:04 PM

في ذكرى غيابه الـ13: غسان تويني.. إرث لا يُمحى من ذاكرة لبنان

في ذكرى غيابه الـ13: غسان تويني.. إرث لا يُمحى من ذاكرة لبنان

نبيل بومنصف

مع بزوغ فجر عهد جديد وحكومة جديدة، استعاد اللبنانيون إرثًا عريقًا، مُفعمين بالأمل في قيامة "الدولة" ومؤسساتها الدستورية، وإحياء القيم الديمقراطية التي كادت تُدفن تحت وطأة عقود مظلمة شوّهت جوهر لبنان وأصالته.

في خضم هذا التوق إلى إنعاش الدولة، لم تغب ذكرى غسان تويني، بل كانت حاضرة في استعادة الأدبيات المتصلة بقيم وممارسات التاريخ، وثوابته، وإرثه الفكري والصحافي والوطني والقومي، الذي خطّه تويني على مدى عقود طويلة من حياته المهنية والفكرية والسياسية والإنسانية والإبداعية. لقد اختصر بشخصه و"نهاره" العريقة مأثرة المرجع الأكبر، الذي لا يضاهيه أحد في عالم الفكر والصحافة والدبلوماسية، ناهيك عن حياته الأسطورية في تحمل المصائب والنوائب.

في الآونة الأخيرة، تجلّت على سطح الجمهورية، المتطلعة إلى العودة والإنعاش، أبهى ما تركه تويني من إرث عظيم في مقالاته ومقابلاته وكتبه ومحاضراته، سواء في مسائل الحريات أو في القضية الجوهرية التي تمثل صلب الأزمة وأساسها منذ اتفاق القاهرة وما تلاه، وكل الأثقال القاتلة التي تحملها لبنان أو حُمّلت له قسرًا، أي حروب الآخرين على أرضه. لقد ضجّ لبنان بعبق غسان تويني، سواء علنًا أو ضمنًا، بتذكر قامة لا يضاهيها أحد، أو بتجاهل أو بعفوية، بكل النشوة الوطنية التي استفاقت على ركام حرب طاحنة استحضرت في السنتين الماضيتين ولا يزال الكثير منها يستحضر ذيول حروب الدول الإقليمية والحسابات الدولية وتداعياتها على أرض لبنان، تلك الحروب التي نذر غسان تويني حياته لمواجهتها، إيمانًا بلبنان الحر المستقل.

هذه القيمة التاريخية التي يستحيل أن تواكبها مواصفات مستأهلة لشخص جسّدها بكل سحر الانجذاب إلى شخصيته الكاريزماتية وصوته الآسر، غسان تويني المهاب المستهاب والجامع بسحر نادر بين تلك المهابة وتلك السخرية العذبة، استبق كل لبنان قبل وأبان وخلال وبعد الحروب والسلم والمهادنات وما بينها، وأطلق فينا ما يتجاوز النبوءات في كل مراحل دروب الصليب التي أُخضع اليها لبنان. ومن قال أن درب الصليب الخاصة بغسان تويني كانت أقل فجاعة واختباراً إلهيا قدرياً وإنسانياً من درب صليب بلاده؟

ذاك الكبير الذي نفتقد في كل ثانية ولحظة، ونغرق في يتم حقيقي من الكبار في غيابه وغياب أمثاله ونخاف خوفاً عظيماً على قلة نادرة باقية بيننا من قماشته الفذة، غسان تويني معلمنا في “النهار” وفي الصحافة وفي الوطنية والقيم الكبيرة جمعاء، لا نفتقد غيابه في الذكرى الـ13 لمجرد الذكرى فحسب، بل لأننا نستشعر بعد هذه السنوات أنه “مستحيل الرحيل” وأن من كان غسان تويني فأي وفاة تُعتدّ في إرثه؟

مشاركة المقال: