المهندس نضال رشيد بكور: عيد الأضحى، في مظهره الخارجي، عيد فرح وبهجة وتكافل وتضحية. لكنه في جوهره يحمل أعظم دروس الطاعة، وأشد اختبارات الإيمان، وأعمق معاني البر والتسليم.
عندما نغوص في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل لا نقف فقط عند حدود الطاعة لله بل نكتشف نموذجاً إنسانياً فريداً لعلاقة الوالد بولده وعلاقة الابن بوالده في مشهد تتجلى فيه طاعة الله ممتزجة ببر الوالدين في قصة الذبح لم يُختبر إبراهيم فقط في طاعته لله بل وُضع في مفترق طرق بين أعظم حب فطري *حب الأب لابنه* وأعظم حب تعبدي *حب العبد لربه* لكن الملفت أن هذا المشهد لا يتم دون مشاركة إسماعيل الذي قال بكل تسليم: *يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين* وهنا نقف أمام لحظة نادرة من برّ الابن بأبيه لحظة يقبل فيها الابن أن يكون أداة لاختبار أبيه! إنه ذروة البر لا بمعناه الاعتيادي بل برّ يتجاوز الحياة ذاتها من أجل طاعة الله وبرّ الوالد.
العديد من الفلاسفة الوجوديين يرون أن الإنسان يتعذب حينما يُطلب منه التنازل عن معنى شخصي عميق وإبراهيم لم يكن يُطلب منه فقط قتل ابنه بل التنازل عن حلم العمر ونبوءة الامتداد والتعلق الإنساني الطبيعي لكنه تنازل باسم الإيمان لا الكره … باسم الحب لله لا الجفاء للابن … هنا تتجلى فلسفة البر: أحياناً !!!! *برّ الوالدين لا يكون فقط في الطاعة اللفظية أو الخضوع الظاهري* بل في القدرة على فهم اختياراتهم الكبرى حتى لو كانت موجعة كما فعل إسماعيل.
نذبح في عيد الأضحى لا لنُحيي مشهد الذبح الدموي بل لنُحيي مشهد الطاعة والبر والتسليم نُحيي تلك اللحظة التي بلغت فيها العلاقة بين الأب والابن قمة الروحانية فاستحقا الفداء كل أسرة في العيد وكل ابن يقبّل يد أمه أو أبيه … يشارك وإن بشكل رمزي في تلك القصة الكبرى التي بدأت على جبال مكة.
عيد الأضحى ليس مجرد طقس بل فلسفة حياة إنه مدرسة يتعلّم فيها الآباء كيف يضحّون بحب التملك لأجل الله ويتعلّم فيها الأبناء كيف يكون البر أعظم من الخوف ..قصة إبراهيم وإسماعيل ليست فقط عن الطاعة بل عن الحب المتبادل والثقة المطلقة والبر الذي صار فداءً … كل عام وأنتم بألف خير
6/6/2025 (موقع أخبار سوريا الوطن-٢)