الأحد, 8 يونيو 2025 12:43 AM

عيد الأضحى في سوريا: تقاليد حية وذكريات لا تنسى رغم التحديات

عيد الأضحى في سوريا: تقاليد حية وذكريات لا تنسى رغم التحديات

في مختلف المحافظات السورية، يحتفل المسلمون بعيد الأضحى المبارك بعادات وتقاليد توارثوها عبر الأجيال، حيث تتجلى فرحة العيد في تفاصيله الصغيرة، من التحضيرات قبل العيد وحتى أيامه الأولى. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري خلال السنوات الأخيرة، فإن أجواء العيد ما زالت حاضرة في القلوب، وتظهر جليًا من خلال مجموعة من العادات المشتركة بين السوريين، إضافة إلى بعض الخصوصيات التي تميز كل منطقة.

حمص: العبادة والتكبيرات والمعمول اليدوي

في مدينة حمص، يقول سامر الشيخ، أحد سكانها: “عيد الأضحى عندنا يبدأ بصلاة العيد في صباح يومه الأول، حيث نذهب إلى المساجد أو الساحات العامة لأداء الصلاة مع الجماعة، ثم نقوم بذبح الأضاحي لمن استطاع ذلك”. ويضيف: “بعد انتهاء صلاة العيد مباشرة، يبدأ الناس بتبادل الزيارات مع الأقارب والأصدقاء، وتُقدَّم العيدية للأطفال، وهي عادة جميلة تحمل طابعًا روحانيًا وأسريًا”. ومن العادات المميزة في حمص خلال العيد، كما يشير الشيخ، رفع التكبيرات بعد كل صلاة حتى عصر اليوم الرابع من العيد، مما يملأ أجواء المدينة بالروح الدينية. أما على صعيد الطعام، فإن الحلويات التقليدية، وخاصة الأقراص والمعمول المنزلي، تشكّل عنصرًا أساسيًا في الضيافة. وعادة ما تُقدَّم مع العصائر والمكسرات والفواكه، حسب إمكانية كل عائلة.

حماة: الفتة الحموية والكبة المميزة

في مدينة حماة وريفها، تبقى العادات والتقاليد مرتبطة بالجذور التاريخية والاجتماعية للمجتمع المحلي. ووفقًا لمراسلنا هناك، فإن الأهالي يبدؤون التحضير للعيد قبل أيام، حيث تزدحم الأسواق بالمتسوقين الباحثين عن ملابس جديدة للأطفال، ومواد ضيافة مثل المكسرات والشوكولا. وتبدأ صباح العيد بصلاة الجماعة، تتبعها تبادل التهاني بعبارات تقليدية، ثم ذبح الأضاحي في الساحات أو أمام البيوت، وتوزيع اللحوم على الفقراء والأقارب. أما أبرز العادات الغذائية في حماة، فهي طبخ “الفتة باللحمة المسلوقة” في اليوم الأول من العيد، وهي وجبة جماعية لا تكاد تخلو منها أي مائدة. إضافة إلى ذلك، تُعد “الكبة الحموية” بمختلف أشكالها من الأطباق الشهيرة التي تشتهر بها المدينة وتُقدَّم في أيام العيد بشكل خاص. وعلى صعيد الحلويات، تبقى “المبرومة”، و”البلورية”، و”المدلوقة” من أكثر أنواع الحلويات التي تُقدَّم للضيوف في بيوت حماة، رغم أن بعض العائلات اكتفت هذا العام بالقهوة المرة وبعض الحلويات البسيطة نظرًا للظروف الاقتصادية.

حلب: طابع ديني واجتماعي

في مدينة حلب، تتخذ التحضيرات طابعًا دينيًا واجتماعيًا في آن واحد، كما تقول مي سباهي. وتتابع: “ليلة الوقوف، نقرأ القرآن وندعو الله، ومن ثم نبدأ بتحضير طبخة العيد، والتي تكون غالبًا سفرجلية وكبب، وقبل عدة أيام من العيد، تنطلق الأسر إلى الأسواق لشراء ضيافة العيد وحلوى خاصة”. وتضيف: “أجواء الأسواق في حلب تختلف تمامًا في هذه الأيام، فلا يمكنك التنقل بسهولة بسبب الازدحام الشديد”. أما صباح العيد، فيبدأ بصلاة الجماعة، تليها زيارة المقابر لإحياء ذكرى الموتى، ومن ثم تبدأ عمليات الذبح وتوزيع اللحوم، فيما يتبادل البعض الزيارات الاجتماعية طوال الأيام الأربعة الأولى من العيد.

اللاذقية: وضع الرياحين على القبور

في اللاذقية، تبدأ احتفالات العيد منذ الفجر، حيث يحرص أهل المدينة على أداء صلاة العيد في وقت مبكر. وبعد الصلاة، يقومون بزيارة المقابر ووضع الرياحين على قبور الموتى، في عادة تعبّر عن التواضع والإيمان، حسب أمجد الأحمد، أحد سكان المدينة. وأوضح الأحمد أن مراسم الذبح وتوزيع اللحوم على الفقراء والعائلات تبدأ عقب زيارة المقابر وصلاة العيد، وهو ما يُعد شعيرة أساسية في العيد. وفي أيام العيد، يتبادلون الزيارات ويشاركون في المناسبات الاجتماعية، إضافة إلى تركيب المراجيح وألعاب الأطفال في بعض المناطق، لتكون مصدر فرح للأطفال والكبار على حد سواء.

عيد الأضحى بين الماضي والحاضر

رغم كل الظروف التي تمر بها البلاد، فإن عيد الأضحى يحمل دائمًا لمسة من الأمل، ويجمع بين الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والتراث الغذائي الغني. وسواء كان ذلك في حمص، أو حماة، أو حلب، أو اللاذقية، فإن السوريين ما زالوا متمسكين بعاداتهم، وإن اختلفت درجة الالتزام أو الإمكانات. وعلى الرغم من تراجع مستوى الضيافة في بعض المناطق، واستبدال بعض الأطباق الفاخرة بأخرى بسيطة، فإن الروح العيدية ما زالت حية في النفوس، وتعكس مدى تمسك الشعب السوري بهويته وتقاليده، في وجه كل التحديات.

مشاركة المقال: