الإثنين, 9 يونيو 2025 12:13 AM

عبد الباسط الساروت: من حارس مرمى إلى أيقونة الثورة السورية.. إرث من الصمود والأمل

عبد الباسط الساروت: من حارس مرمى إلى أيقونة الثورة السورية.. إرث من الصمود والأمل

ما تزال الذاكرة السورية الثائرة تحتفظ باسم عبد الباسط الساروت كأحد أبرز الوجوه التي طبعت مسار الثورة السورية منذ انطلاقتها، إذ اجتمعت فيه عناصر قلما اجتمعت في شخص واحد: الرياضي والمنشد والمقاتل والقائد الميداني، قبل أن يتحول إلى أيقونة خالدة للرفض والصمود. وفي الذكرى السنوية السادسة لرحيله، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بدا استحضار اسم الساروت مختلفًا هذا العام؛ لا كرمز في وجه القمع فقط، بل كأحد الأصوات التي مهدت، بصوتها وجُرحها، لهذا التحول التاريخي.

عبد الباسط الساروت، المولود في كانون الثاني/ يناير 1992 بحي البياضة في مدينة حمص، كان حارس مرمى واعدًا في نادي الكرامة ومنتخب سوريا للشباب، وحصد لقب ثاني أفضل حارس مرمى في آسيا. لكن مع انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، وضع الساروت قفازيه جانبًا، ليرتدي شال الثورة، ويصبح أحد أبرز قادتها الميدانيين ومنشديها.

من صوت الهتاف إلى صوت البندقية

انخرط الساروت سريعًا في المظاهرات، وصدح بصوته في ميادين حمص، بأغانٍ ما تزال محفورة في ذاكرة السوريين، منها: “جنة جنة جنة يا وطنا”، و”يا وطنا يا غالي”، إلى جانب العديد من الأناشيد الارتجالية التي تحولت لاحقًا إلى أهازيج شعبية تُردد في كل حراك جماهيري. وكان يتمتع بقدرة مذهلة على التخفي والظهور وسط المظاهرات، ليُصبح سريعًا المطلوب رقم واحد لأجهزة النظام في حمص، حيث رُصدت مكافأة مالية للقبض عليه. يقول الساروت في إحدى شهاداته: “اتهموني بأنني صاحب إمارة إسلامية، بينما كنت فقط أطالب بالحرية والكرامة. لم أحمل سوى صوتي وكلمتي”.

من البياضة إلى إدلب.. ومن الحصار إلى التهجير

مع اشتداد القمع، حمل الساروت السلاح وأنشأ كتيبة “شهداء البياضة”، وخاض معارك عنيفة دفاعًا عن مدينته، أبرزها “معركة المطاحن” عام 2013، حين حاول كسر الحصار لجلب الطحين، لكن كمينًا للنظام أدى إلى مقتل أكثر من 60 مقاتلاً، بينهم شقيقاه عبد الله وأحمد. فقد الساروت خمسة من إخوته خلال الثورة، إضافة إلى والده، الذي قُتل برصاص النظام. ومع تدهور الأوضاع، خرج عبد الباسط من حمص نهاية 2014 بموجب اتفاق مع النظام، وتوجّه إلى ريف إدلب، مواصلًا نشاطه.

في عام 2018، انضم الساروت إلى “جيش العزة”، وظل يقاتل حتى أصيب بجروح قاتلة في معارك ريف حماة، فارق على إثرها الحياة في 8 حزيران/ يونيو 2019، تاركًا خلفه سيرة استثنائية لرجل لم يساوم، ولم يغادر ميدان المعركة حتى الرمق الأخير.

أغنية الوداع وصوتٌ لا ينسى

رثاه الكثيرون، لكن أغنية الفنان عبد الحكيم قطيفان “آه لو ترجع” عبّرت بصدق عن مشاعر ملايين السوريين الذين رأوا في الساروت صوتهم المبحوح، وهتافهم الذي لم يُقهر رغم الألم. لم يكن مجرد منشد أو مقاتل، بل صورة حية لكرامة شعب ظل يُغني رغم الجراح. واليوم، بعد سقوط النظام الذي طالما واجهه الساروت بالكلمة والسلاح، يعود صوته من جديد إلى الواجهة، لا باعتباره ذكرى حزينة، بل كأحد الأصوات التي فتحت الطريق، ودفعت الثمن باكرًا، من أجل لحظة الحرية.

مشاركة المقال: