الأربعاء, 20 أغسطس 2025 06:55 AM

البيت الأبيض ودور 'السماء': قراءة في صعود النفوذ الأمريكي وتأثيره العالمي

البيت الأبيض ودور 'السماء': قراءة في صعود النفوذ الأمريكي وتأثيره العالمي

بقلم: المهندس باسل قس نصر الله

بعد اجتماع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” مع زعماء أوروبا ورئيس أوكرانيا في البيت الأبيض، والذي سعى من خلاله إلى إملاء رؤيته، وبالتزامن مع اتفاقه مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” حول فرض حل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يتبادر إلى الذهن مسار صعود الدور الأميركي منذ عهد الرئيس “وودرو ويلسون” وحتى الآن.

عندما قال السيد المسيح لتلاميذه مشيراً إلى الدينار: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، ظل السؤال مطروحاً: من هو قيصر هذا العصر؟ لقد قدمت الولايات المتحدة نفسها كصاحبة رسالة سماوية لإدارة العالم، وتصرف رؤساؤها وكأنهم مفوضون من السماء.

ففي مؤتمر فرساي عام 1919، اشتكى الفرنسيون من الرئيس الأميركي “وودرو ويلسون”، واصفين تفاوضه بأنه “يفاوض وكأنه المسيح”. حتى أن رئيس وزراء فرنسا “كليمنصو” سخر من نقاطه الأربع عشرة قائلاً: “لماذا جاء الرب بعشر فقط؟”

لكن خلف هذا المظهر المثالي، مارست واشنطن سياسات حادة. فباسم الديمقراطية، أسقط “ويلسون” رئيس المكسيك “فيكتوريانو هويرتا”، وأدخل بلاده الحرب العالمية الأولى بحجة أن “الحق يعلو على السلام”. ومنذ ذلك الحين، تجسد الدور الأميركي في “التدخل باسم القيم، مع السعي وراء النفوذ”.

ثم جاء “فرانكلين روزفلت” ليكرّس هذا الدور، فكتب إلى “هتلر” و “موسوليني” عام 1939 مطالباً بالتزام بعدم الاعتداء على 29 دولة، وكأنه معلم مدرسة يوجه طلابه. ثم لقاؤه الشهير عام 1945 على متن البارجة “كوينسي” مع الملك “عبد العزيز آل سعود”، ليؤسس لتحالف “النفط مقابل الحماية”، الذي لا يزال يؤثر في العلاقات الدولية حتى اليوم.

ولم يقتصر الأمر على السياسة، بل استعان “روزفلت” بصهاينة في صياغة بياناته، حتى أنه مازح قائلاً: “كم سيدفع غوبلز مقابل صورة لرئيس أميركا يتلقى تعليماته من حكماء صهيون؟”، في إشارة إلى وزير إعلام ألمانيا النازية.

بعد الحرب العالمية الثانية، تولت واشنطن زمام القيادة العالمية. وأنشأت “خطة مارشال” لإعادة إعمار أوروبا، لكنها ربطتها بشروط اقتصادية وسياسية ضمنت تبعية اقتصادات القارة العجوز لها. ثم أسست “حلف الناتو” عام 1949، لتتحول من دولة عابرة للمحيط إلى قوة عسكرية متغلغلة في قلب أوروبا.

وفي شرق آسيا، قادت حرب كوريا “1950 – 1953” تحت شعار “الدفاع عن الحرية”، ولكنها كانت في جوهرها معركة لإيقاف تمدد النفوذ السوفييتي. وبعدها خاضت حرب فيتنام التي استمرت عقدين، لتتحول صور قصف هانوي وقرى الفيتكونغ إلى مثال على الوجه الآخر لـ”الرسالة الأميركية”.

مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، بدا أن واشنطن أصبحت القطب الأوحد. وحرب الخليج 1991 دشنت “النظام العالمي الجديد”، كما وصفه جورج بوش الأب، حيث لم يعد هناك رادع أمام تدخلاتها. وتوالت بعدها محطات أخرى: غزو أفغانستان 2001 بذريعة محاربة الإرهاب، ثم غزو العراق 2003 بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي لم يتم العثور عليها أبداً.

لم تقتصر هذه التدخلات على البعد العسكري فقط، فواشنطن تمتلك “أسلحة ناعمة” لا تقل خطورة: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذان حولا الكثير من دول أميركا اللاتينية وأفريقيا إلى ساحات تجارب اقتصادية قاسية. ثم جاءت سياسة “الثورات الملونة” في أوروبا الشرقية، حيث تم دعم حركات سياسية ووسائل إعلام لتوجيه مسارات الدول بما يخدم المصالح الأميركية.

ومع صعود الصين وعودتها لاعباً اقتصادياً عالمياً، بدأت واشنطن تتحدث عن “احتواء بكين” بنفس اللغة التي استخدمت سابقاً ضد الاتحاد السوفييتي. فالحرب التجارية، والتوتر حول تايوان، وبناء تحالفات مثل “أوكوس AUKUS” ليست سوى امتداد لمحاولة الحفاظ على الزعامة الأميركية للعالم.

لكن التجارب تثبت أن الشعوب لا تُقاد دائماً بالعصا ولا بالجزرة. فالهزيمة في فيتنام، ثم الانسحاب من أفغانستان عام 2021، أظهرا أن القوة العسكرية مهما بلغت، لا تضمن فرض الهيمنة إلى الأبد. وكما قالت إلينور روزفلت يوماً: “لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعر بالدونية من غير إذنك”.

يبقى السؤال: هل تستطيع أميركا أن توازن بين صورة “القيصر المفوض إلهياً” وواقع القوة الذي يفرض عليها حدوداً؟ أم أن التاريخ سيعيد التذكير بما تعلمناه من تراثنا الروحي: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”.

اللهم اشهد أني بلّغت (موقع اخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: