في قرية كفرية بريف اللاذقية، تُعيد السيدة معينة إحياء مهنة أجدادها في تربية دودة القز، محولةً إياها بجهد فردي إلى مشروع منزلي متواضع يوفر لها دخلاً يساعدها في إعالة أسرتها. فبدون أي دعم خارجي أو تدريب رسمي، وبإمكانيات بسيطة، استطاعت معينة أن تسترجع حرفة سورية تقليدية كادت تندثر، وأن تنسج منها خيوط أمل في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة.
تقول معينة: "تربيتُ على هذا العمل، كان بيتنا يمتلئ بالشرانق في كل ربيع، واليوم أجد نفسي أكرر المشهد نفسه، ولكن بدافع الحاجة"، وهي تقوم بترتيب أوراق التوت بعناية لتغذية الديدان الصغيرة.
من البيوض إلى الشرنقة
تبدأ معينة مشروعها في نهاية شهر آذار من كل عام، وذلك بشراء كمية من بيوض دودة القز، التي تحتفظ بها في مكان دافئ ومظلم حتى تفقس بعد حوالي عشرة أيام. وبعد الفقس مباشرة، تبدأ رحلة العناية اليومية، حيث تُطعم الديدان أوراق التوت الطازجة وتحرص على نظافة المكان لتجنب الأمراض.
توضح معينة بثقة: "الديدان تحتاج إلى متابعة دقيقة. أطعمها ثلاث مرات يومياً، وأغيّر الفراش كل يوم تقريباً. البيئة النظيفة والتهوية الجيدة هما سر النجاح".
بعد حوالي أربعة أسابيع، تتوقف الديدان عن الأكل وتبدأ في غزل الشرانق، فتوفر لها معينة صناديق خشبية مبطنة بأغصان لتنسج فيها شرانقها. وتضيف: "الشرنقة الواحدة تحتاج إلى يومين أو ثلاثة حتى تكتمل، وهي المرحلة الأجمل في الدورة".
استخراج الحرير يدوياً
تجمع معينة الشرانق بعد مرور عشرة أيام على اكتمالها، ثم تبدأ مرحلة استخراج الخيوط. تقوم بغلي الشرانق في الماء لتليينها، ثم تسحب الخيوط الطويلة يدوياً وتلفّها على بكرات صغيرة.
تشرح معينة: "كل شرنقة تعطيني خيطاً واحداً، لكنه هشّ ودقيق ويحتاج إلى صبر طويل. بعد التجفيف، أستخدم المغزل اليدوي لغزله إلى خيوط أكثر سماكة يمكن بيعها أو استخدامها في الحياكة".
مشروع بإرادة فردية
على الرغم من صغر المشروع، ترى معينة فيه قيمة كبيرة، ليس فقط كمصدر دخل بل كوسيلة للحفاظ على التراث الريفي. وتختتم قائلة: "هذا العمل يُغنيني عن الحاجة، ويبقيني قريبة من أطفالي. أحلم أن أوسع المشروع وأن أُعلّم نساء أخريات هذه المهنة".
قصة معينة ليست استثناءً، بل نموذجٌ يلخّص قدرة المرأة الريفية على تحويل القليل إلى الكثير. فبخيوط من حرير وصبر، تغزل مستقبلًا مختلفًا، وتثبت أن العمل الفردي حين ينبع من الجذور، لا بد أن يثمر.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية