لا حاجة لتكرار الحديث عن انحياز الإعلام الغربي، بغالبيته، لآلة الحرب الصهيونية خلال السنتين الماضيتين، بل وتطوع بعضه ليكون جندياً في هذه الآلة، وقد تم تناول ذلك بالتفصيل في مقالات سابقة.
ببساطة، دافع هذا الإعلام عن السردية الصهيونية، وأنكر وجود إبادة في غزة قدر الإمكان، ومارس الضغوط على موظفيه، بل وقام بطردهم في بعض الحالات، ووظف عملاء استخبارات صهاينة للكتابة له، وقلل من شأن القضية إلى حد اعتبارها مجرد "نزاع" نشب بعد "عملية إرهابية". واكتفى بتمرير بعض الأخبار عن الإبادة بين الحين والآخر للحفاظ على صورته وكسب بعض المتابعين في ظل رفض عام لجرائم الكيان.
في الآونة الأخيرة، اتجه الرأي العام، خاصة في الغرب، نحو القضية الفلسطينية، وبالأخص في جانبها الإنساني، بعد جريمة التجويع الجماعي الوحشية التي يرتكبها الاحتلال. وتضافرت عوامل أخرى، مثل قضية المتحرش بالأطفال جيفري إبستين ذات الارتباطات الصهيونية، وانخفاض شعبية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب هذه القضية وغيرها، واعتراف بعض مسؤولي إدارة الرئيس السابق جو بايدن بعلمهم بانتهاكات «إسرائيل» حتى عندما كانوا ينفونها علنًا.
نتيجة لذلك، استيقظت بعض الوسائل الإعلامية الغربية من غفلتها ورفضت المجاعة المفتعلة، وبدأت تنتقد «إسرائيل» علنًا بعد أن بلغ السيل الزبى وأصبح صحافيوها مهددين بالموت جوعًا.
انحياز الإعلام الغربي لإسرائيل: سردية أحادية وتواطؤ موثق
ارتبطت أسماء مؤسسات إعلامية مثل «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC)، و«فرانس برس» (AFP)، و«أسوشيتد برس» (AP)، و«رويترز» بالدفاع عن السردية الإسرائيلية، وإن بنسب متفاوتة، ليس فقط في تغطيتها لأحداث غزة، بل أيضًا في لبنان وسوريا واليمن وإيران وكل مكان طالته يد الإجرام الإسرائيلي. حتى أن بعض صحفيي هذه المؤسسات ذاقوا هذا الإجرام ولم يحركوا ساكنًا لنصرتهم.
بيان مشترك لـ BBC وAFP وAP ورويترز: دموع متأخرة أم اعتراف بالذنب؟
أصدرت المؤسسات الإعلامية المذكورة نداءً مشتركًا أمس، أعربت فيه عن قلقها البالغ على صحافييها في غزة الذين باتوا غير قادرين على إطعام أنفسهم وأسرهم، مشيرة إلى أنهم كانوا على مدار أشهر أعين العالم وآذانه على الأرض في غزة، وأنهم يواجهون الآن الأوضاع المأساوية ذاتها التي يواجهها من يقومون بتغطيتهم. وأضافت أن الصحافيين يتحملون حرمانًا ومشقة كبيرة في مناطق الحرب، وأنها قلقة جدًا من أن خطر الموت جوعًا بات الآن واحدًا منها. واختتم النداء بمناشدة كيان الاحتلال بالسماح للصحافيين بالدخول إلى قطاع غزة والخروج منه، وبضرورة وصول الإمدادات الغذائية الكافية للناس هناك.
غياب ذكر الإبادة وتجاهل الضحايا: ملاحظات على البيان الغربي
على الرغم من أن البيان يعتبر عالي اللهجة، خاصة بالنسبة إلى الغرب، إلا أن هناك عدة ملاحظات تحيط به. أولاً، لم يشر البيان إلى الإبادة بأي شكل من الأشكال، واكتفى برفض فكرة المجاعة، وكأن الاحتلال لم يرتكب غيرها من فظائع القتل والتدمير والتهجير والتفنن في أساليب التعذيب. ثانيًا، تبدو المؤسسات الإعلامية صاحبة البيان في صورة النرجسي الذي لم يستفق إلا بعد أن وصلت الموسى إلى عنقه، مع العلم أنها لم تكترث لصحافييها الفلسطينيين يومًا بأكثر مما تحتاجهم إليه، وهم وحدهم من يواجهون الأخطار باللحم الحي. ثالثًا، تطل هذه المؤسسات وكأنها تقول "عفا الله عما مضى"، وتطلب الغفران مع مفعول رجعي بعد أن تسببت بنفسها بالكثير من معاناة غزة اليوم.
إرث من التخاذل والتواطؤ: الإعلام الغربي تحت مجهر المساءلة
كان الأجدر بهذه المؤسسات ألا تشارك في آلة الإبادة، بدلاً من إصدار بيانات تذرف دموع التماسيح اليوم. صحيح أن هذا الإعلان قد يفيد في توثيق الإبادة بعد اعتراف بعض أهم أركان الإعلام الغربي بجريمة التجويع، لكن ذلك يدينهم أكثر مما يعفيهم، إذ إنه اعتراف بالتواطؤ والتخاذل في كل الوقت الذي سبق. في الواقع، قد تكون محاربة طواحين الهواء أجدى من نضال الإعلام الغربي حاضرًا ومستقبلاً من أجل ترميم صورته وسمعته ومصداقيته المشوهة.
نزار نمر - أخبار سوريا الوطن