السبت, 26 يوليو 2025 12:31 AM

منتدى الاستثمار السوري السعودي: الرياض تفتح صفحة جديدة في دمشق عبر بوابة الاقتصاد

منتدى الاستثمار السوري السعودي: الرياض تفتح صفحة جديدة في دمشق عبر بوابة الاقتصاد

يمثل "منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025" في دمشق منعطفاً هاماً يعكس تحولاً استراتيجياً في التعامل العربي مع الملف السوري. هذا الحدث، الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، يحمل دلالات سياسية تتجاوز الأبعاد الاقتصادية المباشرة، مؤكداً أن سوريا تتحول من ساحة حرب إلى ساحة فرص واعدة.

إن تنظيم المنتدى بتوجيه مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يشير بوضوح إلى أن الرياض تنظر إلى سوريا كفرصة استثمارية واستراتيجية يمكن من خلالها تحقيق الاستقرار في منطقة عانت طويلاً من النزاعات والتدخلات الخارجية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس رغبة المملكة في تعزيز التعاون الاقتصادي، وتتبنى "الانفتاح التنموي" كمدخل لصناعة الاستقرار في المنطقة، وإعادة دمج سوريا تدريجياً في محيطها العربي والدولي.

على الرغم من الطابع الاستثماري الظاهر للمنتدى، إلا أن خلفياته السياسية واضحة. تسعى الرياض من خلال هذه المبادرة إلى إيصال رسالة مفادها أن "سوريا اليوم آمنة للاستثمار، وأن السعودية مستعدة لدعم استقرارها". وتؤكد هذه الخطوة أن المملكة ترى في الاقتصاد أداة استراتيجية لإعادة ترتيب التوازنات في المنطقة، بعيداً عن أدوات الضغط التقليدية والعزلة، وتشجع الأطراف العربية والدولية على المشاركة في جهود إعادة الإعمار، وفتح الباب أمام عودة سوريا إلى الحياة الطبيعية، اقتصادياً وسياسياً.

يُعدّ المنتدى خطوة رمزية وعملية لدعم عودة سوريا إلى محيطها العربي، خاصةً أنه جاء بمبادرة من دولة محورية كالسعودية، التي لطالما كان لها ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة. تعمل المملكة اليوم على إعادة إدماج سوريا في النظام الإقليمي، ليس فقط من خلال الخطابات السياسية، بل من خلال مشاريع اقتصادية طويلة الأمد تُعزّز فرص الاستقرار والتنمية. كما أن تشجيع المناخ الاستثماري في سوريا يُقرأ كرهان سعودي على أن الاستقرار الأمني والسياسي هو الشرط الأساسي لجذب رؤوس الأموال وضمان نجاح المشاريع الاقتصادية.

لا يقتصر البُعد السياسي للمنتدى على الداخل السوري، بل يتعداه إلى رسالة واضحة موجهة للغرب، مفادها أن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، ترى أن الوقت قد حان لتغيير النهج في التعاطي مع دمشق. فالعقوبات والعزلة، بحسب التوجه السعودي الجديد، لم تسهم في إنهاء الأزمة، بل في تعقيدها، وأن الانخراط الإيجابي عبر أدوات الاقتصاد والتنمية هو السبيل الأكثر واقعية للتغيير والاستقرار.

يعكس تنظيم المنتدى رغبة سعودية واضحة في لعب دور قيادي في ملف إعادة الإعمار السوري، والمساهمة الفعلية في "صناعة السلام" بدل الاكتفاء بدور المراقب أو المموّل عن بعد. ويأتي ذلك متسقاً مع رؤية السعودية 2030، التي تشترط لتحقيق أهدافها تنمية إقليمية مستدامة، تنطلق من استقرار جوارها الجغرافي.

بذلك، يبدو أن منتدى الاستثمار السوري السعودي 2025 ليس مجرد فعالية اقتصادية، بل هو أداة سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تندرج ضمن توجه سعودي أشمل لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية، وتوظيف الاقتصاد في بناء التوازنات، ودفع الاستقرار، وحفظ المصالح العربية. في دمشق، اختارت السعودية أن تتحدث بلغة جديدة، لغة الاستثمار بدل المقاطعة، والشراكة بدل العزلة.

الوطن

مشاركة المقال: