أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل اليوم الثلاثاء عن أبرز نتائج تقريرها النهائي خلال مؤتمر صحفي عقد في دمشق. وأكدت اللجنة أنها سلمت التقرير كاملاً إلى رئاسة الجمهورية، بانتظار البت في كيفية التعامل مع عناصره الحقوقية والقضائية والأمنية والسياسية.
أوضح المتحدث باسم اللجنة، المحامي ياسر الفرحان، خلال المؤتمر أن التحقيق شمل محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة. زارت اللجنة 33 موقعاً، وعاينت أماكن الوقائع، وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات. وعقدت اللجنة لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودوّنت عنهم 938 إفادة، منها 452 متعلقة بحوادث قتل و486 متعلقة بالسلب المسلح أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية أو التعذيب.
كما استمعت اللجنة كذلك إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية واستجوبت المشتبه فيهم الموقوفين، واتخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء. وبيّنت اللجنة أنها عملت وفق معايير النزاهة والاستقلالية، ونسّقت مع منظمات دولية مثل لجنة التحقيق الأممية ومكتب المبعوث الدولي، كما حصلت على دعم من وزارتي الدفاع والداخلية، وأوضحت أن استنتاجاتها استندت إلى قرائن وأدلة رقمية وشهادات حية، لكنها لم تنشر أسماء المشتبه فيهم حرصاً على عدم الإضرار، رغم توصلها إلى أسماء 265 شخصاً من عناصر مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق، المعروفة بـ “الفلول”.
ووفق التقرير، نفذ فلول النظام سلسلة هجمات منسقة في 6 آذار، استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، وتسببت في مقتل 238 عنصراً من الجيش والأمن، بعضهم تمت تصفيتهم وهم أسرى أو جرحى. كما أدت الهجمات إلى تدمير 6 مستشفيات، واستهداف المدنيين في الطرقات، وقطع الطرق الرئيسية، ومحاولة فرض سيطرة على مناطق الساحل بهدف فصلها عن الدولة السورية.
وأفاد التقرير أن الحكومة ردّت بإرسال قوات نظامية وفصائل شعبية لاستعادة السيطرة، لكن الهجوم المضاد شهد بدوره تجاوزات، ولا سيما في أيام 7 و8 و9 آذار، حيث تحققت اللجنة من أسماء 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، وعلى الرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.
وأشارت اللجنة إلى أن الانتهاكات، رغم اتساعها، لم تكن كلها ممنهجة، بل تفاوت السلوك بين عناصر المجموعات المشاركة، كما خلصت إلى أن بعض المناطق العلوية التي لم تتعرض لانتهاكات كانت بعيدة عن الطريق الدولي أو لم تُستخدم من قبل “الفلول” في استهداف القوات الحكومية، بعكس القرى التي نُفذت فيها المجازر.
وأكدت اللجنة أن الدولة أبدت التزاماً واضحاً بتسهيل عملها، وقدّمت دعماً للتحقيقات، وشدّدت على أن تعليمات الرئاسة ووزارتي الدفاع والداخلية ركزت على حماية المدنيين ومنع الفوضى، لكن واقع ضعف السيطرة على بعض الفصائل حال دون ضبط الانتهاكات بالكامل. وأشارت اللجنة الى أنه من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.
لاحظت اللجنة في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية ومن وزيري الدفاع والداخلية – قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025 – ركزت على حماية المدنيين، وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميّزت بها القوات الحكومية، وأن جهوداً حثيثة بذلتها الدولة للحد من الانتهاكات، وأن أفراداً متهمين أحيلوا للمساءلة.
واختُتم التقرير بعدة توصيات، أبرزها: ملاحقة المتورطين في الانتهاكات من عناصر النظام السابق والفصائل الخارجة عن القانون، وتسريع دمج الفصائل تحت قيادة موحدة ضمن وزارة الدفاع، وضبط السلاح، وإعادة النظر في قرارات تسريح الموظفين الصادرة في الفترات السابقة، وتطبيق لائحة قواعد السلوك، وجبر ضرر الضحايا، وتعزيز منظومة العدالة الانتقالية، إلى جانب المطالبة بمواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية، واعتماد برامج شاملة للحوار والسلم الأهلي، ومنع التحريض الطائفي في الإعلام ومنصات التواصل.
وفي رد على سؤال “الوطن” قال رئيس اللجنة القاضي جمعة العنزي: “كل سلاح يحمل خارج إطار مؤسسات الدولة الجيش والشرطة والأمن العام والجهات المخولة هو سلاح مخالف للقانون”، موضحا أن هناك كميات كبيرة من السلاح مع أطراف مختلفة ومهمة الدولة ضبط هذا السلاح المنفلت.
وقال القاضي العنزي: “هناك مدونة سلوك صدرت من وزارة الدفاع تشدد على ضبط السلاح لما يشكل ذلك من خطر على كل السوريين وعلى الدولة”.