تُعرف الخلافة الأموية باهتمامها البالغ بالعلم والشعر، إذ كانت منارةً لهما. يُعدّ العصر الأموي مرحلةً ذهبية في تاريخ الشعر العربي، حيث تميزت القصيدة الأموية بألفاظها البديعة، وأساليبها المبتكرة، وأغراضها المتنوعة، واتجاهاتها الشعرية المتعددة. وقد برز في هذا العصر شعراء أفذاذ استطاعوا تجديد القصيدة العربية وترك بصمةً واضحةً جعلت منهم قدوةً للأجيال اللاحقة.
يُعتبر "المثلث الأموي" أحد أبرز الظواهر الشعرية في تلك الحقبة، وهو مصطلح يُطلق على ثلاثة شعراء ذاع صيتهم واشتهروا بالتنافس في فن "النقائض"، مع تميز كل منهم بأسلوبه الخاص. "النقائض" هي قصائد هجائية يتبادل فيها الشعراء الهجوم مع محاولة تقليد وزن وقافية قصيدة الخصم.
يمثل هؤلاء الشعراء قمة فن "النقائض" في العصر الأموي، ويُعدّ فنهم جزءاً هاماً من التراث الشعري العربي الذي وثّقه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية". وقد اتُفق على أن الشعراء الثلاثة الذين شكلوا "المثلث الشعري الأموي" هم: جرير والفرزدق والأخطل.
كان جرير، المكنى بـ "أبي حزرة"، واسمه جَرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، قد ولد ومات في اليمامة. تميز جرير بشعره العذب وبكونه أشعر شعراء عصره وأغزلهم، فقد كرس حياته لمنازلة شعراء عصره، ولم يتمكن أحد من مجاراته شعرياً سوى الفرزدق والأخطل.
أما الفرزدق، فهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميميّ، ولد وترعرع في البصرة بالعراق. نبغ الفرزدق في الشعر منذ صغره، وكان يتصل بولاة العراق مادحاً وهاجياً. انتقل الفرزدق إلى دمشق في سوريا، حيث حظي بإعجاب الخلفاء الأمويين بشعره القوي ونال عطاياهم وجوائزهم. توفي في البصرة عام 728 ميلادي، وقيل عن شعره: "لولا شعر الفرزدق لذهبت ثلث لغة العرب، ونصف أخبار الناس".
في حين كان الأخطل يكنى بـ "أبي مالك" وهو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو من بني تغلب، يُعدّ الأخطل من أبرز شعراء العصر الأموي ومن فحول الطبقة الأولى. اشتهر بشعره القوي والمؤثر المتميّز بجزالة الألفاظ وبلاغة الديباجة وحسن الصياغة، وكان دقيقاً في تنقيح قصائده. وُلد في أطراف الحيرة في العراق، واتصل ببلاط بني أمية في الشام، فكان شاعرهم الرسمي، وقد تنقل بين دمشق عاصمة الدولة الأموية والجزيرة الفراتية حيث كانت تقيم قبيلته بنو تغلب.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية