الأحد, 20 يوليو 2025 04:56 PM

تحليل: هل أساءت دمشق تقدير رد فعل إسرائيل في السويداء؟

تحليل: هل أساءت دمشق تقدير رد فعل إسرائيل في السويداء؟

كشفت ثمانية مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" أن الحكومة السورية ربما "أخطأت في تفسير" ردة فعل إسرائيل المحتملة تجاه نشر قواتها في جنوب سوريا. جاء ذلك بعد ما بدا كتشجيع من رسالة أمريكية مفادها أن "سوريا يجب أن تحكم كدولة مركزية".

أوضحت المصادر أن إسرائيل نفذت ضربات استهدفت القوات الحكومية ومواقع في دمشق في 16 تموز، في تصعيد فاجأ الحكومة السورية. وجاء التصعيد عقب اتهامات للحكومة بقتل العشرات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

بحسب المصادر، والتي شملت مسؤولين سياسيين وعسكريين سوريين ودبلوماسيين ومصادر أمنية وإقليمية تحدثت لرويترز، اعتقدت دمشق أنها تلقت ضوءًا أخضر من الولايات المتحدة وإسرائيل لإرسال قواتها إلى الجنوب، على الرغم من تحذيرات إسرائيلية متكررة طوال أشهر من الاقتراب من الجنوب السوري.

وذكرت المصادر في تقرير رويترز أن "هذا التفاهم استند إلى تعليقات علنية وخاصة من المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس براك، وكذلك إلى المحادثات الأمنية الوليدة مع إسرائيل"، حيث دعا براك إلى إدارة سوريا كدولة مركزية دون مناطق حكم ذاتي.

ولم يسبق أن وردت أنباء عن هذا الفهم السوري للرسائل الأمريكية والإسرائيلية بشأن نشر قواتها في الجنوب.

الخارجية الأمريكية تلتزم الصمت

رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على المناقشات الدبلوماسية الخاصة، لكنه صرح لرويترز بأن "الولايات المتحدة تدعم وحدة الأراضي السورية". وأضاف المتحدث أن الدولة السورية مُلزمة بحماية جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات، وحث الحكومة السورية على محاسبة مرتكبي أعمال العنف.

من جهته، نفى مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية لرويترز أن تكون تصريحات المبعوث الأمريكي قد أثرت على قرار نشر القوات، مؤكدًا أن "القرار اتخذ بناءً على اعتبارات وطنية بحتة، وبهدف وقف إراقة الدماء، وحماية المدنيين، ومنع تصاعد الحرب الأهلية".

وكانت وزارة الدفاع السورية قد أرسلت قوات ودبابات إلى محافظة السويداء لوقف القتال بين العشائر والفصائل المحلية.

ونقلت رويترز عن مصدرين، أحدهما مسؤول خليجي رفيع المستوى، قولهما إن "أعمال العنف التي تلت ذلك، والتي نسبت إلى القوات السورية، بما في ذلك الإعدامات الميدانية وإذلال المدنيين الدروز، دفعت إسرائيل إلى شن غارات على قوات الأمن السورية، ووزارة الدفاع في دمشق، ومحيط القصر الرئاسي".

وعلق مصدر سوري وآخر غربي مطلع على الأمر بأن دمشق تعتقد أن المحادثات مع إسرائيل التي جرت الأسبوع الماضي في باكو أسفرت عن تفاهم بشأن نشر قوات في جنوب سوريا لإخضاع السويداء لسيطرة الحكومة.

ورفض مكتب نتنياهو التعليق ردًا على أسئلة رويترز.

"إسرائيل لن تتدخل"

أفاد مسؤول عسكري سوري لوكالة رويترز بأن المراسلات مع الولايات المتحدة دفعت دمشق إلى الاعتقاد بأنها قادرة على نشر قواتها دون أن تواجهها إسرائيل. وقال المسؤول إن المسؤولين الأمريكيين لم يردوا عندما أُبلغوا بخطط نشر الصواريخ، ما دفع القيادة السورية إلى الاعتقاد بأن الأمر تمت الموافقة عليه ضمنيًا وأن "إسرائيل لن تتدخل".

وقال دبلوماسي مقيم في دمشق إن السلطات السورية كانت "مفرطة الثقة" في عمليتها للسيطرة على السويداء "بناءً على الرسائل الأمريكية التي تبين أنها لا تعكس الواقع".

وقال المسؤول الخليجي الكبير الذي اعتمدت عليه رويترز كمصدر في تقريرها إن دمشق ارتكبت "خطأ فادحًا" في تعاملها مع السويداء، مشيرًا إلى أن قواتها ارتكبت انتهاكات، منها قتل الدروز وإذلالهم. وأضاف المسؤول الخليجي ومصدر آخر أن طبيعة العنف منحت إسرائيل فرصةً للتدخل بقوة.

وذكر مسؤول إقليمي أن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لم يكن مسيطرًا على الأحداث على الأرض بسبب افتقاره إلى جيش منضبط، واعتماده بدلًا من ذلك على مجموعة من الجماعات المسلحة، والتي "غالبًا ما تكون لها خلفية في التشدد الإسلامي".

سوء تفاهم

وفي 16 تموز الحالي، وعقب استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى الأركان في العاصمة دمشق، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إنه يعتقد أن الضربة على دمشق كانت "على الأرجح سوء تفاهم" وسط مخاوف بشأن الاضطرابات التي اندلعت هذا الأسبوع، وفقًا لوكالة فوكس نيوز.

وأكد روبيو أنه كان على اتصال مع الجانبين منذ اندلاع القتال.

وبعد المواجهات التي شهدتها محافظة السويداء، أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، فجر الخميس 17 تموز، عن تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في محافظة السويداء، بعد انسحاب الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي.

وقال الشرع في كلمة نقلتها "رئاسة الجمهورية" إن الحكومة لجأت إلى هذا القرار لتجنب مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، مؤكدًا أن "الدروز جزء أصيل من نسيج الوطن"، مشيرًا أيضًا إلى "سوء فهم" مع الجانب الإسرائيلي.

وأضاف الرئيس السوري أن "الكيان الإسرائيلي لجأ إلى استهداف موسع للمنشآت المدنية والحكومية لتقويض هذه الجهود، ما أدى إلى تعقيد الوضع بشكل كبير ودفع الأمور إلى تصعيد واسع النطاق".

وأوضح الشرع أن التدخل الفعال للوساطة الأمريكية والعربية والتركية أنقذ المنطقة من مصير مجهول، وكان هناك خياران: "إما الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي، على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، أو فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية على من يريد تشويه سمعة أهل الجبل".

واعتبر الشرع أن الخيار الأمثل في هذه المرحلة هو "اتخاذ قرار دقيق لحماية وحدة وطننا وسلامة أبنائه بناءً على المصلحة الوطنية العليا"، ولذلك قرر تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء.

كيف بدأ الخلاف

بدأ التوتر بخطف متبادل بين عشائر على تخوم السويداء وفصائل محلية، تطور إلى اشتباكات مسلحة، تدخلت بعدها قوات وزارة الدفاع والداخلية. وبينما توصلت الحكومة إلى اتفاق مع وجهاء وقادة محليين، رفض آخرون الاتفاقية وشنوا هجمات مضادة بغطاء إسرائيلي.

تخللت الحملة الأمنية لقوات وزارة الدفاع والداخلية انتهاكات بحق مقاتلين ومدنيين، وهو ما قوبل أيضًا بانتهاكات من الفصائل المحلية التي شنت الهجوم المضاد، والتي استكملت هجومها باتجاه قرى البدو.

وكان الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أعلن انسحاب قوات وزارتي الدفاع والداخلية، من السويداء، لتجنب "مواجهة مفتوحة مع إسرائيل"، تاركًا إدارة المحافظة لوجهاء الطائفة الدرزية وفصائل محلية.

وبعد تعبئة عشائرية ضد فصائل السويداء على مدار اليومين السابقين، توصلت الأطراف إلى اتفاق اليوم، أعلن عنه المعبوث الأمريكي، توماس براك، وسط تبنٍ تركي- أردني.

مشاركة المقال: